تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 6 أكتوبر 2024

سياسة

محاولة "انقلاب الكونغو".. فصل جديد من فصول الاستغلال والنهب المنسي

27 مايو, 2024
الصورة
جمهورية الكونغو
أحبط جيش جمهورية الكونغو الديمقراطية يوم الأحد محاولة انقلاب بالقرب من مكاتب الرئيس فيليكس تشيسيكيدي في كينشاسا شارك فيها أجانب وكونغوليون) .تصوير أرسين مبيانا / وكالة فرانس برس عبر Getty Images )
Share

في وقت مبكر من صباح الأحد 19 مايو/ آيار الجاري، هاجم عشرات الرجال المدججين بالسلاح القصر الرئاسي المعروف باسم (قصر الأمة)، ومقر إقامة فيتال كاميرهي، نائب رئيس الوزراء السابق للاقتصاد في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية. وهم يرتدون علم زائير القديم، ويهتفون "زائير الجديدة!" في إشارة إلى الاسم السابق للبلاد، تحت حكم موبوتو سيسي سيكو، ما بين عامي 1971 و1997.

اشتهر حكم موبوتو بالتبعية ونهب موارد البلاد، والتضخم وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير، والانهيار التام للبنية التحتية، والتسلط والدكتاتورية والاختلاس والمحسوبية. ساعد كل ذلك في عزل واغتيال باتريس لومومبا - الثوري المناهض للاستعمار والإمبريالية، ورئيس وزراء جمهورية الكونغو الديمقراطية المنتخب ديمقراطيًا – بمساعدة من بلجيكا والولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في عام 1961. 

دام الهجوم أو محاولة الانقلاب قرابة الثلاث ساعات قبل أن يتم سحقها، بحسب إفادة المتحدث باسم القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، الجنرال "سيلفان إيكينج"، الذي أكد، في لقاء تلفزيوني، إحباط "محاولة الانقلاب" في مهدها، من قبل قوات الدفاع والأمن، مضيفا بأن العديد من الأمريكان، من بينهم "اثنين من البيض" ومواطن كونغولي "بريطاني متجنس" متورطون في العملية.

العقل المدبر للانقلاب وهو "كريستيان مالانغا"، كونغولي متجنس أمريكي، تم قتله بمعية عدد من رجاله، كما أُلقي القبض على حوالي 50 شخصًا، من بينهم ثلاثة مواطنين أمريكيين، ومن بين هؤلاء المقبوض عليهم كريستيان مالانغا ونجله مارسيل البالغ من العمر 21 عامًا، وبنجامين زالمان بولون، وهو تاجر مخدرات سابق، يبلغ من العمر 36 عامًا من ولاية ماريلاند.

عمِل كريستيان مالانغا عسكريا في جيشي جمهورية الكونغو الديمقراطية والولايات المتحدة، وكان شخصية معروفة إلى حدا ما في الشتات الكونغولي. خاض الانتخابات التشريعية عام 2011، واعتقل لعدة أسابيع في عهد الرئيس السابق جوزيف كابيلا. رحل الرجل، بعد إطلاق سراحه، إلى الولايات المتحدة، وبعد عامين قام بتأسيس الحزب الكونغولي المتحد (UCP) هناك، عام  2012.

المشهد السياسي العاصف في الكونغو الديمقراطية

ينادي تيار في أوساط المعارضة الكونغولية بضرورة دراسة الدوافع وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، والسياق التاريخي للتدخل الأجنبي، والتلاعب بالشؤون السياسية الداخلية للكونغو الديمقراطية. فالمؤكد اليوم أن دول المعسكر الغربي تخوض صراعًا مريرًا من أجل صد النفوذ الروسي والصيني، لا سميا بعد الصفقة التي أبرمها الرئيس فيليكس تشيسيكيدي مع شركات التعدين الصينية، ما ولَّد غضبا عميقا بين شركات التعدين الغربية. مقابل تمكينها من إنتاج المناجم الرئيسية في الكونغو، وافقت بكين على استثمار 3 مليارات دولار في البنية التحتية للمناجم، و6 مليارات دولار في البنية التحتية في بقية أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية.

يعتبر تيار آخر في صفوف المعارضة أن الانقلاب تمثيلية مدبرة من قبل السلطة، بسبب الافتقار إلى الأهداف الواضحة والخطط المدروسة، والاستجابة السريعة من جانب الحكومة. فالبنتاغون أو وكالة المخابرات المركزية أو حتى وكالة استخبارات الدفاع، ليسوا هواة حتى يتورطوا في أي شيء بهذه الحماقة. ثم إن الولايات المتحدة وبقية الغرب ليس لديهم أي دافع لإزاحة الرئيس تشيسيكيدي. 

كما أن ربط الحدث بإسرائيل أو الملياردير الإسرائيلي دان غيرتلر، بسبب انتشار فيديو لزيارة كريستيان إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، في عام 2015، غير مقبول، فالموساد ليسوا هواة، فضلا عن كون غيتلر الذي اشتهر باستغلاله الوحشي للموارد المعدنية، وتورطه في أشكال أخرى من الفساد في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لا دافع له للتعامل مع شخص متهور أو مغمور مثل كريستيان أو حتى الإطاحة بتشيسيكيدي. على النقيض من ذلك تماما، يبدو الرجل مشغولا بمحاولة التفاوض مع بايدن وتشيسيكيدي لرفع العقوبات المفروضة عليه. لذلك، من غير المستعبد أن تكون دوافع هذه المحاولة العشوائية، من جانب تشيسيكيدي، بمثابة خطوة لتعزيز السلطة السياسية، ووأد أي معارضة ثورية.

تاريخ طويل من الاستغلال والنهب المنسي

‏إذا سألتم أي شخص حول العالم اليوم عن أكبر بؤر الاقتتال والصراع التي تحصد حياة أكبر عدد من البشر فإن الجواب طبعا لن يكون له علاقة بالمذابح وعمليات التطهير العرقي الدائرة في جمهورية الكونغو الديموقراطية، منذ أكثر من 60 عاما، بتدخل من 10 دول (إقليمية ودولية) على مساحة تتجاوز مساحة أوروبا الغربية. معارك قتل واستعبد فيها ملايين البشر، بعد اكتشاف مناطق غنية بالموارد الطبيعية ( الكوبلت والنحاس واليورانيوم والماس والنفط والذهب). هذه الانتهاكات ما زالت مستمرة إلى يومنا، وبالرغم من ذلك، لا نسمع عنها أي شيء في وسائل الإعلام العالمية، ولا نرى حملات تضامن واسعة في العالم مع الشعب الكونغولي.

بدأت مأساة الكونغو، منذ القرن التاسع عشر، حين قرر الملك ليوبولد الثاني ( (Leopold IIعام 1876، مواصلة عمليات استكشاف القارة الإفريقية، وخاصة المناطق الشاسعة الواقعة عند حوض الكونغو، بسبب ما ينتشر فيها موارد طبيعية وبشرية يجب أن تستغل، وتكون تحت خدمة وسيطرة الرجل الأبيض. حرص ليوبولد الثاني على استغلال أكبر كمية ممكنة من موارد الكونغو، وعلى رأسها المطاط، واعتمد لتحصيله على نظام العمل القسري، مجبراً سكان الكونغو على العمل لصالحه، تحت وطأة التهديدات والعقوبات القاسية التي بلغت حد بتر الأيادي، وقتل الأطفال وإعدام العمال واغتصاب النساء، وحتى إحراق قرى بأكملها.

 جاءت لحظة الإطاحة باتريس لومومبا؛ أول رئيس وزراء انتخبه الشعب الكونغولي بطريقة ديمقراطية، والذي تم قتله بدعم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وشراكتها السرية مع الاستخبارات الخارجية البريطانية والموساد الإسرائيلي، من خلال ضخ الأموال والمساعدات لخصومه السياسيين، وصولا إلى الأنظمة المتعاقبة برؤسائها؛ من  موبوتو سيسي سيكو ومرورا بآل كابيلا (الأب والابن) وصولا إلى فيليكس تشيسيكيدي، الذين أدخلوا الكونغو في دائرة الفقر وعدم الاستقرار، وحروب مستمرة لعقود بمساعدة بعض القوى الإقليمية والأجنبية، لأجل الاستمرار في احتكار ثروات البلاد المعدنية، مع الحيلولة دون بزوغ أي نماذج ثورية من لومومبا مجددا.

لا تمتلك الكونغو اليوم 60% من ثرواتها، وشبكة الطرقات بها لا تساوي 10% مما كانت عليه في عام 1960، ومستوى الدخل في البلد جد متدني. وتشهد البلاد يوميا حالات من النهب والسطو المسلح، من جانب الجيش أو المتمردين المدعومين من قوى إقليمية، كما يجري خطف الأطفال على نطاق واسع، لاستخدامهم جنودا في الحرب من كلا الجانبين. فضلاً عن استمرار عمليات الاغتصاب الجماعي، الذي طال حتى جنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة، ولا زالت العديد من مخيمات اللاجئين بدون مراحيض وماء صالح للشرب. ولا تبعد بعض المخيمات إلا بضعة مئات من الأمتار عن خطوط القرى حيث يحتدم  الصراع.