تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 7 نوفمبر 2024

رأي

إلى أين وصلت مراجعة الدستور الصومالي؟ ما هي أبرز التحديات والقضايا الخلافية؟

7 فبراير, 2024
الصورة
Somalia
أعضاء البرلمان الصومالي يعقدون جلستهم العادية, ديسمبر 2023
Share

انتهت اللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ[i] الدستور (ICRIC) من مراجعة الأبواب الأربعة الأولى من الدستور الانتقالي لجمهورية الصومال الفيدرالية، في السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2023، بعد أربعة أشهر من تلقيها التكليف من اللجنة البرلمانية لمتابعة عملية مراجعة الدستور (OC). سلمت اللجنة المستقلة نتائج أعمالها إلى اللجنة البرلمانية، التي أدخلت عدة ملاحظات واقتراحات، لتأتي المرحلة اللاحقة وهي عرض الفصول المُنجزة على البرلمان الفيدرالي بغرفتيه، أو ربما إرجاء العرض على البرلمان لحين إنجاز المراجعة كاملةً لمسودة الدستور.

الفصول الأربعة الأولى

بحسب النسخة العربية[ii] من الدستور الصومالي المؤقت، التي صُدق عليها في (1/8/2018) تشمل الأبواب التي تمت مراجعتها على التالي. الباب الأول بعنوان "إعلان جمهورية الصومال الفيدرالية" ويشتمل على المبادئ الأساسية للدولة من اللغة والدين والعلم والأرض والسيادة والشعب. الثاني بعنوان "الحقوق الأساسية وواجبات المواطن" ويشتمل على الحقوق والحريات والواجبات، والثالث بعنوان "الأرض والملكية والبيئة" ويشتمل على الأرض والثروات الطبيعية والبيئة. أما الباب الرابع بعنوان "تمثيل الشعب" يشتمل على المبادئ العامة لتمثيل الشعب وسلطة الشعب والانتخابات ونظام الانتخابات والأحزاب. لم تُنشر الفصول المعدلة بعد، لكن أهم ما نشرته اللجنة المستقلة هو الإشارة إلى أنّ الفصل الرابع المُعدل يتضمن 14 مادة جديدة، جرت صياغتها استناداً إلى اتفاقية المجلس الاستشاري الوطني (NCC) في اجتماعه في مايو/أيار 2023. نصّت الاتفاقية التي خرج بها الاجتماع السادس للمجلس منذ تنصيب حسن شيخ رئيساً للبلاد في مايو/أيار 2022، على تجاوز نظام 4.5، وإجراء الانتخابات وفق نظام الاقتراع العام المباشر اعتباراً من العام المقبل، في الانتخابات البلدية والإقليمية والانتقال إلى نظام رئاسي كامل، وتوحيد موعد إجراء الانتخابات الإقليمية. جاء في الاتفاقية "من أجل مواءمة انتخابات جمهورية الصومال الفيدرالية، ستتبنى البلاد نظام رئيس ونائب رئيس. وسينتخب الرئيس ونائب الرئيس في اقتراع واحد، على أساس التعددية الحزبية." لكن هناك غموض في مبدأ "التعددية السياسية" الذي أشارت إليه الاتفاقية؛ حيث ذكر الرئيس حسن شيخ إنشاء حزبين سياسيين، دون توضيح إن كان الدستور سيقتصر على الاعتراف بحزبين فقط أم ستكون هناك تعددية حزبية مفتوحة.

يضم المجلس الاستشاري الوطني كلاً من؛ رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورؤساء الولايات الخمس وحاكم إقليم بنادر عمدة مقديشو. وغاب رئيس ولاية بونتلاند عن اجتماع المجلس وأعلن معارضته للاتفاقية، كما أعلن قطع العلاقات مع الحكومة الفيدرالية على خلفية هذه الاتفاقية وقضايا خلافية أخرى. لكن معارضة رئيس ولاية بونتلاند سعيد عبد الله دني قد تزول حال خسر الانتخابات على رئاسة الولاية التي ستعقد في الربع الأول من 2024، والتي تحظى بمنافسين أقوياء، بعد فترة عصيبة شهدتها الولاية. تناقض آخر يعيشه المشهد السياسي الصومالي فيما يتعلق بانتخابات رئاسة بونتلاند؛ ففي حين طرح رئيس الولاية الانتقال إلى نظام الاقتراع العام المباشر (صوت واحد لكل مواطن) في انتخابات رئاسة وبرلمان الولاية، مع تمديد ولايته والبرلمان لمدة عام، رفضت المعارضة ذلك، وطالبت بالعودة إلى نظام الانتخابات العشائري. اللافت أنّ تلك المعارضة مدعومة من رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود، الذي عارض جهود سلفه فرماجو في الانتقال للانتخابات المباشرة بينما يطرحها اليوم.

تحدد المواد رقم (132، 133، 135، 136) في الدستور كيفية إجراء التعديلات الدستورية واعتماد الدستور النهائي. يجب عرض التعديلات المقترحة بعد مرورها على لجنتي المراجعة والمتابعة، على كل من مجلسي البرلمان؛ الشعب والشيوخ، على أنّ تحوز على موافقة الثلثين في الشعب ثم الشيوخ، لتنال موافقة البرلمان، ثم تُعرض للاستفتاء العام. لكن أمام تلك العملية العديد من العقبات والتحديات، فحتى مع توافق اللجنة البرلمانية لمتابعة عملية مراجعة الدستور واللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ الدستور على المراجعة التي تمت على الفصول الأربعة الأولى، إلا أنّ أهم القضايا الخلافية تكمن في الفصول التالية.

أهم القضايا الخلافية

كتب الباحثين على شيخ يوسف[iii] وعبد الرحمن عيسى[iv] عن أهمية الانتهاء من مراجعة الدستور "نظراً للخلافات السياسية المتكررة بين المركز والأطراف في النظام الصومالي الفيدرالي من جهة وبين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من جهة ثانية، والافتقار لجهة قضائية تبت وتحسم هذه الخلافات وتفسر المواد الدستورية من جهة ثانية، كما أن الانتهاء من مراجعة الدستور المؤقت من شأنه أن يضع حداً للخلافات المتكررة في النموذج الانتخابي الفيدرالي، وإنشاء مجلس خدمة القضاء، وكذلك تفويض وتوزيع السلطات بين الولايات والحكومة الفيدرالية."[v]

هناك ثلاث هيئات معنية بمراجعة الدستور أكثر من بقية مؤسسات الدولة، وهي: وزارة العدل والشؤون الدستورية، واللجنة البرلمانية لمتابعة عملية مراجعة الدستور، واللجنة المستقلة لمراجعة وكتابة الدستور. أعاقت الخلافات بين هذه الهيئات الثلاث عملية مراجعة وكتابة الدستور حتى التوصل إلى اتفاق مكتوب بمذكرة تفاهم تحدد المهام والمسؤوليات لكل جهة. تولت اللجنة المستقلة عملية تنقيح النص الدستوري وتصويب الأخطاء الفنية والتدقيق اللغوي، تحت إشراف اللجنة البرلمانية، بينما تتولى الوزارة طرح المواد المرهونة بمفاوضات سياسة على صانعي القرار على المستويين الفيدرالي والولائي. بينما شرعت اللجنتان في عملهما، وأنجزتا المراجعة للأبواب الأربعة الأولى، لم تشرع وزارة العدل والشؤون الدستورية بعد في فتح نقاش على كافة المستويات للتوصل إلى اتفاق فيدرالي – ولائي حول المواد الخلافية[vi]، بل أن الاتفاق الوحيد المنقوص المتعلق بالنظام السياسي وهو من صلب الدستور جاء عن طريق المجلس الاستشاري الوطني.

 أما أهم القضايا التي تتطلب توافقاً سياسياً حولها[vii]، فتنقسم إلى محاور تحتها عناوين فرعية. أولها السلطة التنفيذية، ويتفرع منها؛ تفويض سلطات الحكومات بين المستوى الفيدرالي والولائي، وطبيعة نظام الحكم شبه الرئاسي والذي استبدل بالنظام الرئاسي وفق النموذج الأمريكي وفق اتفاق المجلس الاستشاري الوطني، وحسم وضع العاصمة وتقاسم الثروات. الثاني السلطة القضائية ويتفرع عنها؛ هيكل النظام القضائي على المستويين الفيدرالي والولائي، وإنشاء مجلس خدمة القضاء، وموائمة مواثيق الولايات مع الدستور الفيدرالي. الثالث السلطة التشريعية وفيها؛ الصلاحيات الخاصة بغرفتي البرلمان الفيدرالي، والعضوية، وغير ذلك من القضايا الهامة.

تبرز قضية تفويض صلاحيات الحكومات بين المستويين الفيدرالي والولائي مدى الصعوبة التي تواجهها عملية مراجعة الدستور. تنصّ المادة (54) من الدستور الانتقالي على "يتم التفاوض بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء في الدولة الفيدرالية بشأن تقاسم السلطات السياسية والاقتصادية باستثناء ما يلي: الشؤون الخارجية، والدفاع الوطني، والجنسية والهجرة، والسياسة النقدية، والتي يجب أنّ تكون ضمن سلطات ومسؤوليات الحكومة الفيدرالية."

يقول مستشار قانوني يعمل في وزارة العدل والشؤون الدستورية، فضل عدم الكشف عن هويته، بأنّه لاستكمال الدستور الانتقالي والحصول على دستور دائم، من الضروري الاتفاق على النقاط التي تتطلب التوافق بين الأطراف السياسية في الصومال. مشيراً لـ"جيكسا" بأن الموافقة على مسودة الأحكام عملية طويلة ومترابطة.

التحديات والعقبات

يضيف المستشار بوزارة العدل والشؤون الدستورية، بأنّ هناك تحديات واجهت إتمام مراجعة الدستور، منها؛ غياب الرغبة السياسية لإنجاز الاستحقاق الدستوري، حيث كان الساسة مشغولين بالصراعات والنزاعات. إلى جانب ضعف التعاون بين مجلسي البرلمان، وتداخل الاختصاصات والأدوار بينهما، ما خلق صراعات وتبادل اتهامات. يتابع بأنّ من التحديات عدم وجود مخصصات كافية لعمل اللجان المختصة بالمراجعة، وتدهور الوضع الأمني الذي جعل مراجعة الدستور تتراجع على أجندة اهتمامات القيادة السياسية، فضلاً عن عدم توحيد مواقيت انتخابات حكومات الأقاليم ومجالسها التشريعية التي أدت إلى انشغال الولايات طوال العام بتلك الاستحقاقات.

بدوره يذكر الباحث القانوني الصومالي، محمد أحمد جامع، بأنّ الشعب يريد إجراء انتخابات عامة للإدلاء بصوته، لكن الأغلبية ترفض رغبة الرئيس حسن شيخ في إلغاء منصب رئيس الوزراء والانتقال إلى نظام رئاسي كامل. يحذر جامع من أنّ الانتقال إلى النظام الرئاسي الكامل قد يتسبب في اضطرابات وقلاقل سياسية؛ لأنّ هذا التعديل لا يعمل إلّا لصالح الرئيس الحالي، علماً بأنّ السلطة تتقاسم بين العشائر الصومالية، بحسب حديثه.

ولا يمكن الحديث عن موقف للعشائر بشكل مطلق، وحتى نواب البرلمان المفترض فيهم التعبير عن إرادة العشائر، وفق نظام (4.5) لا يعبرون عن العشائر، بعد أنّ شهدت الانتخابات النيابية الأخيرة في 2021-2022 تدخلاً غير مسبوقٍ من رؤساء الولايات في اللجان الانتخابية الإقليمية التي تقبل المرشحين للمقاعد النيابية وتوافق على مفوضي العشائر الذين ينتخبون النواب. ليس تجاوزاً القول أنّ المال السياسي الأجنبي لعب الدور الأكبر في الانتخابات النيابية السابقة، في إطار الصراع على رئاسة الجمهورية بين الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو وخصومه. الجدير بالذكر أنّ حسن شيخ حاز على 214 صوتاً في الجولة الثالثة من انتخابات الرئاسة في البرلمان الفيدرالي، مقابل 110 أصوات للرئيس السابق فرماجو، وذلك بعد تحالف واسع لدعم حسن شيخ ضم عدد من غرمائه الحاليين وعلى رأسهم سعيد دني.

يعني ذلك أنّ تأمين ثلثي أصوات كل من مجلسي البرلمان الفيدرالي لن تكون عملية يسيرة، فالأصوات التي اجتمعت ضد فرماجو لن تجتمع لتمرير التعديلات الدستورية التي تأتي وفق رؤية حسن شيخ محمود، في ظل وجود معارضة من شخصيات سياسية وازنة مثل الرئيس السابق شريف شيخ أحمد. في هذا السياق، ذكر مسؤول حكومي لـ"جيسكا" بأن الرئيس حسن شيخ محمود غاضب من أداء حكومته فيما يتعلق بالتواصل مع البرلمان الفيدرالي حول عملية مراجعة الدستور. ذكر المصدر أنّه من المرجح إجراء تعديل وزاري للتخلص من الوزراء الذين لا يسيرون وفق خطّ الرئيس بشكل عام، وفي موضوع مراجعة الدستور بشكل خاص.

 انتقالاً إلى الخطوة النهائية لإقرار الدستور الدائم، وهي الاستفتاء العام على الدستور، التي طالما مثّلت واحدة من الحجج القوية لمعارضي إجراء الانتخابات العامة المباشرة، والذين للتناقض صار جزءٌ منهم اليوم من دعاة ذلك، بما فيهم حسن شيخ محمود. تقول تلك الحجة أنّ مسألة إجراء الاستفتاء العام تتطلب إجراء تعداد عام للسكان، وتوفير الضمانات الأمنية الكاملة لجميع المواطنين في كافة مناطق الجمهورية للمشاركة في الاستفتاء، وهو الأمر الذي لا يمكن ضمانه في ظل وجود تهديد حركة الشباب، المصنفة إرهابياً، في مناطق واسعة من جنوب البلاد.

إلى جانب ذلك، تبقى قضية مشاركة إقليم صوماليلاند عالقة، فمن ناحية لن تقبل إدارة الإقليم الذي أعلن انفصاله بشكل آحادي عام 1991، أنّ يُجرى فيها استفتاء على دستور الصومال، التي تعتبرها دولة أجنبية. لهذا يجب على الساسة حسم تلك القضية الشائكة، والتي قد تخلق عواراً دستورياً؛ في ظل وجود ممثلين لصوماليلاند في البرلمان الفيدرالي. علاوةً على ذلك، هناك قضية كيفية انتخاب ممثلي صوماليلاند في البرلمان الفيدرالي في ظل نظام الانتخاب العام المباشر، وهي قضية قد تدفع بهؤلاء النواب للتفكير في مصالحهم، المضمونة بنظام (4.5) بينما تظل مجهولة في النظام الجديد المقترح.


 

[i] يترجم اسم اللجنة بالعربية إلى "اللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ الدستور" أو "اللجنة المستقلة لمراجعة وكتابة الدستور"

[ii] بحسب باحثين صوماليين هناك اختلافات بين النسخ الإنجليزية والصومالية والعربية من الدستور، وهي احد المأخذ على الدستور.

[iii] على شيخ آدم يوسف: كاتب وباحث صومالي، حاصل على البكالوريوس في الشريعة والقانون، وماجستير في القانون العام. عمل محامياٍ ومستشاراً قانونياً لوزارة العدل في ولاية جوبالاند. ويعمل حالياً قاضياً بمحكمة محافظة بنادر.

[iv] عبد الرحمن عيسى: دبلوماسي صومالي، ومدير مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات

[v] التقرير الشهري رقم (13) الصادر عن مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات، يونيو 2022، بعنوان "الصومال: مراجعة الدستور الفيدرالي المؤقت ومصير القضايا المؤجلة (1-3)

[vi]  المرجع السابق.

[vii] نفسه

 

  1. يترجم اسم اللجنة بالعربية إلى "اللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ الدستور" أو "اللجنة المستقلة لمراجعة وكتابة الدستور"

  2.  بحسب باحثين صوماليين هناك اختلافات بين النسخ الإنجليزية والصومالية والعربية من الدستور، وهي احد المأخذ على الدستور.

  3.  على شيخ آدم يوسف: كاتب وباحث صومالي، حاصل على البكالوريوس في الشريعة والقانون، وماجستير في القانون العام. عمل محامياٍ ومستشاراً قانونياً لوزارة العدل في ولاية جوبالاند. ويعمل حالياً قاضياً بمحكمة محافظة بنادر.

  4.  عبد الرحمن عيسى: دبلوماسي صومالي، ومدير مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات

  5.  التقرير الشهري رقم (13) الصادر عن مركز الصومال للبحوث ودراسة السياسات، يونيو 2022، بعنوان "الصومال: مراجعة الدستور الفيدرالي المؤقت ومصير القضايا المؤجلة (1-3)

  6.   المرجع السابق.

  7. نفسه