تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

سياسة

صوماليلاند: كيف يبدو المشهد السياسي قبيل الانتخابات الرئاسية والحزبية؟

24 يونيو, 2024
الصورة
Somaliland National Parties
Share

تواجه صوماليلاند اختبارًا جديدًا، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (الرئيس ونائبه) وانتخابات الجمعيات السياسية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، المقبل، بعد عامين من التأجيل، شهدت خلالهما الجمهورية المستقلة، من طرف واحد، تحديات داخلية وخارجية كبيرة، هددت منجزات 33 عامًا من الاستقرار والتداول السلمي للسلطة، منذ إعلان إعادة الاستقلال عن الصومال عام 1991.

تطرح هذه الاستحقاقات فرصةً لاستعادة الثقة بين مؤسسات الحكم والشعب في المنطقة، وتحسين صورة الإقليم أمام الشركاء الدوليين، شرط أنّ ترفع السلطة يدها عن العملية الانتخابية، وأنّ تتهيأ الأحزاب القانونية الثلاثة للقبول بالنتائج، أيًا تكن، مع الالتزام بالمتطلبات الدستورية والقانونية المترتبة عليها.

من الأزمة إلى الانفراج 

كان من المقرر دستوريًا، تنظيم الانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعيات السياسية، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، الذي شهد انتهاء الولاية الدستورية للرئيس موسى بيحي عبدي، والصلاحية القانونية للأحزاب الثلاثة. وقد سبق ذلك، عقد الانتخابات التشريعية والبلدية، في مايو/ أيار 2021، والتي حصل فيها الحزب الحاكم على 30 مقعدًا، مقابل 52 مقعدًا لحزبي المعارضة؛ "أوعيد" و"وداني"، واللذين فازا بناء على التحالف برئاسة مجلس النواب. عقب ذلك، شهد الإقليم ما يمكن وصفه بمراوغات الحزب الحاكم لتجنب خسارة الرئاسيات، بدءا بمحاولة إقرار تعددية سياسية، بدلًا من حصر الأحزاب المُعترف بها في ثلاثة فقط، ثم السعي إلى تقديم انتخابات الجمعيات على الانتخابات الرئاسية.

استعان الرئيس بيحي عبدي بمجلس الشيوخ، في صراعه مع المعارضة، وحصل من المجلس على تمديد لعقد الانتخابات الرئاسية حتى نوفمبر/ تشرين الأول 2024، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. فيما جدد المجلس لنفسه، لمدة خمسة أعوام، بعد تجديد سابق مدته عامين، ما يعني أنّ انتخابات مجلس الشيوخ ستُعقد متأخرة 7 أعوام عن موعدها القانوني. أفضى ذلك إلى خلافات سياسية واسعة النطاق، بين الحزب الحاكم والمعارضة، ونظمت المعارضة تظاهرات احتجاجية، قامت خلالها الشرطة بفتح النار على المتظاهرين، ما تسبب في وقوع قتلى ومصابين. كما تعرضت قيادات في حزب "وطني" المعارض للاعتقال. 

اُنتقدت مفوضية الانتخابات، خلال هذه الأزمة، لانحيازها إلى الحزب الحاكم، وكادت أن تجرّ البلاد إلى فوضى أمنية. خاصة بعد ظهور مجموعة مسلحة متمردة في جبال "غعن لباح"،  أعلنت التمرد بسبب تأجيل الانتخابات، وهاجمت قوات الشرطة، وأوقعت بينهم عشرة قتلى و17 مصابًا. من جانبها، احتجت الجمعيات الحزبية الجديدة، وكانت محقة وفق اللوائح الدستورية. 

تمكنت صوماليلاند بالمجمل من تخطي الأزمة، بفضل وساطة القيادة التقليدية لعشيرة "هبرجعلو" التي كُلفت بالبحث عن مخرج، وأصدرت بنودا تدعو لحل المليشيات، وتضع خارطة لإجراء انتخابات مزدوجة. وقد ترجم مجلس النواب والرئيس الاتفاق بإصدار قانون الانتخابات، الذي حدد موعدها في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كما صدر عفو رئاسي عن المتمردين، الذين سُويت قضيتهم ضمن التسوية الشاملة لأزمة الانتخابات.

انتخابات الجمعيات السياسية 

ينصّ دستور صوماليلاند على أنّ "عدد الأحزاب السياسية لا يجب ألا تتجاوز الثلاثة"، ويوضح قانون"تنظيم الجمعيات والأحزاب السياسية"، لعام 2011، آليات تطبيق ذلك، من خلال عقد انتخابات الجمعيات السياسية كل عشرة أعوام. وذلك عن طريق انتخابات البلديات على المستوى المحلي، وتتأهل الجمعيات الثلاث المتصدرة للنتائج، لتصبح أحزاب سياسية مُعترف بها، ويكون لها الحق الحصري في التنافس على كافة الاستحقاقات الانتخابية. هذه الأحزاب المُعترف بها منذ العام 2012، هي: حزب التضامن الحاكم "كولميه"؛ ذي التوجهات اليمينية الليبرالية، وحزب العدالة والتنمية "أوعيد" القريب لليسار الاجتماعي، والحزب الوطني "وداني" صاحب التوجهات القومية الشعبوبية المحافظة. إضافة إلى ذلك، توجد تسع جمعيات سياسية، تستعد للتنافس في الانتخابات المؤهلة لتحديد الأحزاب القانونية، بعد استيفاء متطلبات التسجيل للمشاركة في الاستحقاق الانتخابي. 

عُقدت انتخابات الجمعيات السياسية الأخيرة، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، وحافظ فيها حزبا "كولميه" و"أوعيد" على مكانتهما، منذ أول انتخابات في عام 2002. فيما فازت جمعية سياسية جديدة حملت اسم حزب "وداني"، وحلّت جمعيات أخرى في المراتب مهمة بعدد أصوات كبير نسبيًا، ما قد يمكنها من الفوز بأحد المراكز المؤهلة للاعتراف القانوني بها كحزب سياسي في الانتخابات المقبلة. وفقًا لذلك، يوجد سيناريوهان لشكل الحياة السياسية بعد الانتخابات المقبلة؛ الأول، أنّ تحتفظ الأحزاب الثلاثة بالمراكز الثلاثة الأولى، ولا يحدث أي تغيير. والثاني، أن يفقد حزب أو أكثر الصدارة، وتحلّ جمعية سياسية جديدة أو أكثر محلهم، وفي هذه الحالة فإنّ أعضاء مجلس النواب للحزب الخاسر سيكون عليهم التسجيل في إحدى هذه الأحزاب.

في سياق متصل، أعلن عبد الله دروال، رئيس جمعية "هورسيد" السياسية عن مقاطعة انتخابات الجمعيات المُقبلة، مُتهمًا الأحزاب السياسية الثلاثة بتقديم مصالحها الخاصة على حساب الديمقراطية في صوماليلاند. 

مخاوف وشكوك 

فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، ينحصر الترشح على الأحزاب الثلاثة المُعترف بها، ومن المؤكد أنّ الرئيس موسى بيحي عبدي هو مرشح الحزب الحاكم، بينما لم يُعلن حزبا المعارضة عن مرشحيهما بعد. وفي إطار التحضير للانتخابات، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات (SLNEC) عن جدول العملية الانتخابية، وكذا قوائم الناخبين، المُقدرين بنحو 1.27 مليون نسمة، يتوزعون على ست مقاطعات رئيسية، منها مقاطعتي سول وسناج، اللتين شهدتا صراعات مسلحة بين قوات عشائرية وجيش صوماليلاند، وانتهت بانسحاب الأخير بعد تعرضه لخسائر كبيرة، ويبلغ عدد الناخبين المُسجلين في المنطقتين، نحو 219 ألف ناخب تقريبًا، ومن غير المُرجح أنّ تُعقد الانتخابات فيهما.

علاوةً على قضية سول وسناج، هناك مخاوف تنبع من حالة العداء الشديدة بين السلطة والمعارضة، حيث اتّهم رئيس حزب "كوليمه" الحاكم المعارضة بتوظيف القبلية للوصول إلى السلطة. فيما رد الناطق باسم حزب "وطني" باتّهام الحزب الحاكم بالفساد وزعزعة الاستقرار، واعتبر حرسي على حاج حسن؛ رئيس الحزب، أنّ حديث الرئيس بيحي عبدي عن محاكمة المتمردين السابقين في جبال "غعن لباح"، يهدف إلى "إثارة الصراع وتجنب الانتخابات".

تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب الحاكم يحتفظ بالسلطة منذ 14 عامًا، وهي فترة طويلة مكنته من خلق نفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة. وتجلى هذا في موقف الشرطة العنيف تجاه المعارضة والمتظاهرين، قبل عامين. لذا سيكافح موسى بيحي للبقاء في منصبه لولاية ثانية، ولن يقبل بإنهاء حكمه بهزيمة عسكرية في لاسعانود. 

تمت قضايا عديدة تعزز رغبة الرئيس في البقاء في السلطة، منها "مذكرة التفاهم" التي وقعها مع إثيوبيا، والتي أعلن أكبر حزب في مجلس النواب "وطني" معارضته لها، وبوضع ذلك في الاعتبار، إلى جانب الصراعات التي شهدتها الفترة الماضية، فإن صوماليلاند في حاجة ماسة إلى إعادة بناء الثقة بين المكونات السياسية، وتجنب الانفراد بقرارات تحكم مستقبل المنطقة. غير بعيدًا عن ذلك، أثارت تصريحات موسى حسن يوسف، رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات، التي اتّهم فيها الحزب الحاكم وعددا من الوزراء بـ "تقويض استقلالية اللجنة"، تفسيرات متضاربة، بين من يراها تعبيرًا عن نزاهة اللجنة، ومن يراها محاولة لإظهار استقلالية مخادعة عن السلطة قبيل الانتخابات.

ختامًا، هناك عوامل تدعو للتفاؤل بشأن الانتخابات المقبلة، من بينها الدور الإيجابي للقيادات العشائرية، في حلّ الخلافات السياسية الداخلية، وانحصار الحضور الأجنبي في التأثير في العملية الانتخابية، كما هو معتاد في الصومال، وقدرة صوماليلاند على معالجة الخلافات. وأخيرًا، الخبرة المتراكمة في تنظيم انتخابات تتسم بالنزاهة إلى حد كبير لدى اللجان الانتخابية في المنطقة، وكذلك المشاركة الشعبية الحقيقية في الاستحقاقات الانتخابية.