الجمعة 22 نوفمبر 2024
تحولت ظاهرة الاختطاف، في العشرية الأخيرة، إلى معضلة تؤرق عددا من بلدان إفريقيا. فقد شهدت القارة أكثر من 11 ألف حادث اختطاف، خلال عقد من الزمن (2013-2023)، ما شكل نحو 48٪ من إجمالي حوادث الاختطاف في العالم، بحسب بيانات مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها (ACLED). فالحالات في محنى تصاعدي، حيث كان التعداد بالمئات؛ 612 حالة عام 2013، ثم أضحى بالآلاف بدءا من عام 2020؛ حيث وصلت عام 2023 إلى 2182 حالة.
مناطقيا، لا يقتصر "اقتصاد الفدية" على منطقة دون أخرى، فكل الأقاليم الكبرى في القارة لها نصيب، يبقى الفارق في النسب فقط. وهذا ما يظهره توزيع حالات الاختطاف، خلال عشر سنوات، حسب البلدان، حيث تتصدر نيجيريا القائمة (2481 حالة)، تليها الكونغو في المركز الثاني (1794)، متبوعة بالكاميرون (1350)، فمالي (800)، وبوركينافاسو (761)، والسودان (571)، ثم النيجر (522)، والصومال (435)، وافريقيا الوسطى (430)، وليبيا (359) وجنوب السودان (338).
صحيح أن الظاهرة عالمية، لكنها في افريقيا اتشحت بخصوصية محلية، فهناك يمتزج الفقر والحاجة بالتطرف والتمرد، ليجد الأفارقة البسطاء أنفسهم حطبا في معارك هم بمنأى عنها، بعدما كانت عمليات الاختطاف في السابق مرتبطة بالمواطنين الأجانب؛ من سياح وموظفين غير حكوميين وعمال في شركات دولية. لذا اختارت الحركات المتمردة والتنظيمات المتطرفة، وحتى عصابات اللصوص أحيانا، "صناعة الاختطاف" طريقا سهلا للكسب السريع والوافر، فعوائد الفدية عادة ما تكون جزلة.
بحسب تقارير لهيئة "ActionAid Nigeria" تم دفع أكثر من خمسة مليارات نايرة؛ ما يفوق 10 ملايين يورو، فدية خلال السنوات الخمسة الماضية (2018-2023)، في بلد شهد تنامي موجات الاختطاف، مطلع القرن الحالي (2005)، الموجه ضد عمال النفط الأجانب من قبل حركة تحرير دلتا النيجر (MEND) ردا على تهميش الحكومة المركزية للإقليم الغني بالنفط. لاحقا تطور الأمر إلى عمليات اختطاف جماعية، تستهدف المدارس والكليات والطرق السريعة وحتى أماكن العبادة.
كان ما جرى شهر مارس/ آذار الماضي، أحدث تلك العلميات، بعد اقتحام مسلحين مدرسة في قرية زراعية بولاية كادونا شمال البلاد، واختطاف 280 تلميذا وتلميذة ما بين 7 و18عاما. قبل تمكن الجيش من تحريرهم، بعد قرابة أسبوعين من الاختطاف، كما أفاد ذلك حاكم الولاية أوبا ساني. ولا يزال العالم يتذكر مأساة فتيات قرية شيبوك، أبريل/ نيسان عام 2014، حين قامت بوكو حرام باختطاف أكثر 250 تلميذة من القرية في ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا، بالكاد تم تحرير 83 فتاة منهم، بعد ثلاثة سنوات.
نجح تجار "اقتصاد الفدية" في تشكل مثلث على الحدود الإقليمية، بين تشاد والكاميرون وإفريقيا الوسطى، حيث تفيد الحكومات المركزية سيطرتها على الحدود، ما سمح بانتعاش تجارتهم وازدهارها. فأرقام أحدث عمليات تمشيط قام بها الحكومة التشادية، من أجل تحرير الطبيبة البولندية التي اختطفت شهر مطلع شهر فبراير/ شباط الماضي، أفضت إلى تحرير 119 مختطفا، يتوزعون في الانتماء ما بين التشاد (86) والكاميرون (18) وافريقيا الوسطى (15).
شهدت بوركينافاسو بدورها أول عملية خطف جماعي، مطلع العام الماضي، بعد تعرض نحو 50 امرأة في أربيندا شمال البلاد للخطف على يد مسلحين. فالظاهرة وإن كانت معروفة في مناطق متفرقة من البلد، تبقى مقتصرة على الأفراد، مثلما حدث شهر مايو/ آيار عام 2023، حين تعرض دراجين مغربيين للاختطاف على يد عصابة في الحدود بين بوركينافاسو والنيجر.
سجلت جنوب افريقيا انتعاشا كبيرا في هذه العمليات، حتى باتت تقارير إعلامية محلية تتحدث عن تحول الاختطاف من أجل الفدية إلى نشاط مربح للجريمة المنظمة في البلاد، فخلال ندوة صحفية لبيكي سيلي؛ وزير شرطة جنوب افريقيا، تحدث عن أخر ربع من عام 2023، عرَف 138عملية اختطاف من أجل المال. يذكر أن ميلوسي بوثيليزي؛ حارس مرمى نادي أولاندو بيراتس، تعرض شهر مارس/ أذار الفائت، للاختطاف على يد ثلاثة مجهولين شرق مدينة جوهانسبرغ.
في الشرق الافريقي، تبقى حادثة اختطاف الملياردير محمد ديوجي، في مدينة دار السلام كبرى مدن تنزانيا أشهر هذه الحوادث، حيث تعرض الرجل، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، للاختطاف في ضاحية أويسترباي الراقية، بعد خروجه من القاعة الرياضية لأحد الفنادق حيث أدى تمارين اللياقة البدنية.
أيا تكن التفسيرات المقدمة في معرض شرح شيوع الاختطاف في افريقيا، يبقى المرجح أنها، وقبل كل شيء، مصدر للربح المضمون. فبخلاف العمليات الأخرى مثل الهجوم على المنشئات الحكومية أو عمليات التهريب عبر الحدود أو حتى الاتجار في الممنوعات... وما إلى ذلك من أنشطة يكتنفها منسوب مخاطرة كبيرة، يتسم "اقتصاد الفدية" بالسهولة، فالأمر لا يتطلب سوى رهطا من الرجال المسلحين، يتولون إجبار ضحاياهم على مرافقتهم لمكان الاحتجاز في انتظار الفدية.
تساهل الحكومات، لا سيما الأجنبية، في تقديم المبالغ المطلوبة حماية لأرواح مواطنيهم يشجع كذلك على انتشار هذه الجريمة في ربوع القارة، فمعظم الدول الأجنبية تفضل التفاوض في سرية تامة مع هؤلاء "التجار" بدعوى الحرص على سلامة الرهائن، فيما الدافع لذلك هو الحفاظ على هيبتها الدولية والخوف من الضغط الداخلي من المعارضة ومن الإعلام. فلا يعقل أن ندعي محاربة الظاهرة بتقديم عشرات الملايين من الدولار في صفقة واحدة.
يكفي أن نذكر هنا مثلا أن الإفراج عن ثلاث رهائن؛ فرنسية وإيطاليين، لدى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كان مقابل قدية قدرها 30 مليون يورو. فضلا عن الإفراج عن 200 معتقل من أبناء التنظيم لدى السلطات المالية. إننا أمام تجارة تدر على أصحابها الملايين من الدولارات، ما يشجع على استقطاب المزيد من الأعضاء والمجندين في صفوف الشباب العاطل عن العمل، في مناطق ينخرها الفقر والجوع والتهميش والإقصاء.