الجمعة 22 نوفمبر 2024
تحظى افريقيا بموقع استراتيجي متميز على الصعيد العالمي، يعززه غنى الموارد الطبيعية وتنوعها؛ فهي صاحبة ثاني أكبر بساط أخضر في العالم، بإمكانيات هائلة في المجال الزراعة، وموارد مائية غنية، حيث يجري فيها 13 نهرا، يؤهلها ذلك كله لأن تكون سلة الغداء العالمي. كما توصف بخزان العالم من المعادن والمواد الطاقية؛ فمن أصل 50 معدنا عالميا، تتوفر القارة على احتياطي ضخم في 17 منها، بما في ذلك معادن نادرة. فضلا عن مقومات بشرية هائلة، أساسها هرم ديمغرافي فتي؛ ما يوفر يدا عاملة نشيطة ورخيصة.
تتوقع تقديرات البنك الإفريقي للتنمية أن تتحول إفريقيا إلى سوق استهلاكية كبيرة، نظرا إلى نموها الديمغرافي السريع. فنحن في قرن البزوغ الافريقي؛ فبعد أن كانت القارة، مطلع القرن الماضي، موطنا لزهاء 140 مليون نسمة؛ أي 9٪ من سكان العالم، قفزت خلال عام 2022 إلى 1,42 مليار نسمة، ما يمثل 17,8٪ من ساكنة الأرض. مع توقعات ببلوغها 2,5 مليار نسمة، ما يعادل 1/4 من سكان العالم، بحلول عام 2050. وقرابة 40٪ من سكان العالم مع نهاية هذا القرن الحالي.
مؤهلات طبيعية وقدرات بشرية ورهانات استراتيجية تطرح أكثر من سؤال عن مدى استعداد افريقيا للمستقبل؟ بعبارة أخرى، هل بلدان القارة؛ حكومات وشعوبا، على وعي ودراية تامين بما ينتظرها؟ ثم ماذا عن المنجز الإفريقي تحضيرا لهذه التحديات الكبرى؟ أين وصل التنفيذ في أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي؟ وكيف هي أحوال التجارة البينية بين الدول الإفريقية؟ وماذا عن حلم "الشنغن الافريقي"؛ هل بات بمقدور المواطن الإفريقي أن يتنقل، بحرية مطلقة، بجواز سفره بعيدا عن تعقيدات التأشيرة؟
من أصل 54 دولة افريقية، فقط أربع دول (رواندا والبنين وغانا وكينيا) من تسمح للمواطنين الأفارقة بدخول أراضيها بدون تأشيرة، بينما يتحتم على نحو 60٪ لزوم تقديم تأشيرة قصد الدخول. فقط 28٪ من الأفارقة من الأفارقة من لا يحتاجون للتأشيرة عند السفر داخل القارة، وفق أحدث التقرير. في المقابل، لا يزال يتعين على 47٪ من المواطنين الحصول على التأشيرة قبل السفر، بخلاف المواطن الأمريكي الذي يستطيع التجول في معظم أنحاء إفريقيا دون تأشيرة.
تسجل هذه الأرقام بعد ثمان سنوات على إطلاق الاتحاد الإفريقي، عام 2016، "جواز سفر الاتحاد إفريقيا" خلال افتتاح القمة 27 للاتحاد في كيغالي، حيث اعتبر الاتحاد الجواز خطوة "تهدف إلى إزالة القيود المفروضة على قدرة الأفارقة على السفر والعمل والعيش داخل قارتهم"، وشاع حينها أن الجواز سينافس نموذج الاتحاد الأوروبي في إطلاق العنان لإمكانيات القارة.
يذكر أن الاتحاد اعتمد عام 2006، إطارا لسياسة الهجرة في إفريقيا، ثم قام بتنقيحه عام 2018، بغرض التصدي لتحديات الهجرة المعاصرة. ومن بين ما جاء به التحيين الأخير، اعتماد بروتوكول حرية الأشخاص لتعزيز حرية السلع ورؤوس الأموال والخدمات والأشخاص داخل القارة. لكن الواقع يعاكس الأماني، فالأرقام تتحدث مثلا عن أن طبيبا من كل عشرة أطباء يعملون في المملكة المتحدة ينحدر من بلد افريقي، فيما يمثل الأطباء الأجانب 12٪ من عدد إجمالي المسجلين في قائمة الأطباء في فرنسا.
رغم كل تلك المساعي، وما فيها من خطط وبروتوكولات، تمثل جزء من أجندة الاتحاد الإفريقي 2063، لا تزال الحدود التي رسمها الاستعمار، في مؤتمر برلين عام 1884، تحدد للأفارقة أين يمكن أن يتحركوا. ورغم الإجماع القائم بين قادة وزعماء القارة بأن افريقيا بلا حدود؛ أي ضمان حرية التنقل البشري هو مفتاح جهود التكامل في إفريقيا، لا تزال الحدود البينية مغلقا في وجه أبناء القارة ومفتوحة أمام الأجانب، بمبررات ودواعي لن يصدم أكثرها أمام الوحدة والتعاون الافريقيين، لو تحولا إلى حقيقة متعينة على أرض الواقع.
تبقى الدفوعات التي تثار بشأن مسألة فتح الحدود بين الدول الإفريقية مقبولا إلى حد ما، لكنها لا تستقيم أمام إغلاق الحدود في وجه التجارة البينة داخل إفريقيا. لا سميا أن القارة تتمتع بإمكانيات تنموية هائلة، وتمتلك وفرة في الموارد الطبيعية تعد ضمن الأثمن في العالم، وتحتضن سوقا استهلاكيا متنامية قوامها 1,2 مليار شخص، وناتجا محليا إجماليا يبلغ 2,5 تريليون دولار.
لكل ذلك، تم التوقيع في مارس/ آذار 2018، على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية (AFCFTA)؛ لتشكيل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، وحققت النصاب القانوني المطلوب، في مايو/ أيار 2019، لتدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 2021. وكانت أول شحنة لتعزيز التكامل التجاري، بموجب هذه الاتفاقية القارية، قادمة من غانا، حيث مقر أمانة العامة، نحو جنوب افريقيا.
تتعهد الدول الإفريقية بموجب نص الاتفاقية على تحرير التجارة في معظم تعاملاتها التجارية، من خلال الغاء التعريفات الجمركية على 97٪ من عامة الرسوم والمدفوعات. ومنذ دخولها حيز التنفيذ قدمت 44 دولة عروضها التعريفية، في خطوة جيدة نحو الأجرأة الفعلية، سعيا وراء سوق واعدة، فالتقديرات تتحدث عن إجمالي إنفاق استهلاكي وتجاري يصل إلى 6,7 تريليون دولار في عام 2030، وأكثر من 16 تريليون دولار بحلول عام 2050.
وعمدت الأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية، شهر أبريل/ نسيان الماضي، إلى تعزيز هذه الاتفاقية، بإطلاق بوابة ذكية خاصة بالمنطقة، بغية تسهيل التجارة داخل القارة الإفريقية. هكذا ستصبح المنصة مستودعا للبيانات التجارية المهمة، حيث تقدم رؤى حول قواعد المنشأ ومعلومات السوق. منصة من شأنها، حسب الأمين العام لأمانة المنطقة؛ وامكيلي ميني، "تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة ورجال الأعمال الشباب في إفريقيا، وتسهيل إدماجهم في التجارة، وتعزيز التجارة بين الدول الإفريقية".
يتطلع الاتحاد الافريقي باتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية بناء الرخاء في جميع أنحاء القارة، فمن شأن هذه الاتفاقية أن تساهم في إعادة صياغة مشهد التجارة في القارة. لا سميا أنها تهدف إلى تحطيم الحواجز وخلق مشهد موحد للتجارة عبر إفريقيا. لكن لغة الأرقام والمؤشرات لا تجاري دوما الأماني والتطلعات.
يطلع الأفارقة في عموم القارة، بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ مطلع عام 2021، إلى تغيير ملموس في واقع التجارة البنية الإفريقية التي تشكل أقل من 20٪ فقط من إجمالي التجارة، بينما يذهب الباقي إلى الخارج، على الرغم من أن الأفارقة يشكلون 18٪ من سكان العالم، لكنهم يساهمون بأقل من 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتزداد طموحاتهم عند الاطلاع توقعات الاتحاد الافريقي عن تعزيز الاتفاقية التجارية للدخل الإقليمي بنسبة 7٪؛ أي ما يعادل 450 مليار دولار. من جانبه، توقع البنك الدولي أن تساهم الاتفاقية في انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع، و68 مليون شخص من الفقر المعتدل، فضلا عن ارتفاع بنسبة 15٪ من إجمالي تجارة القارة البينية، بحلول عام 2035.
تفاؤل تعززه بعض مسارات التجارة الإفريقية التي تخطت معدلات النشاط على خارطة العالم الذي تسجل كمتوسط 4,3٪، ومن ذلك مسار التجارة الرابط بين شرق إفريقيا وجنوب آسيا الذي بلغ معدل نمو 7,1٪؛ فبفضل الاتفاقية سجل تدفق التجارة بين دول جماعة شرق افريقيا معدل نمو استثنائي للصادرات، فقد ارتفعت، وفق دراسة لصندوق النقد الدولي، أكثر من ثمانية أضعاف.
مهما كان سقف الاتفاقية عاليا، تبقى محكومة بحقائق الواقع، فعلى سبيل المثال لا تشجع البنية التحية وشبكات النقل في افريقيا على الدفع قدما بهذه الأحلام. يكفي أن نذكر هنا نقلا عن مجلة "The Economist" أن نقل حاوية من الصين إلى بيرا في الموزمبيق تكلف 2000 دولار أمريكي، بينما نقلها داخل البلاد، ولمسافة 500 كلم فقط يتطلب 5000 دولار أمريكي.
يضاف إلى ذلك عدم استطاعت مؤسسات التنمية المالية على تعبئة الموارد المالية اللازمة للقطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة... كما يمثل التبادل التجاري مع الشركات الأجنبية تحديا آخر، فالسير نحو التكامل الاقتصادي بإفريقيا يشكل تهديدا لمصالح هذه الفئات التي تنتعش في دول تغيب فيها الشفافية والحكم الديمقراطي.