تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

مخاطر رفع حظر واردات السلاح الدولية عن الصومال

20 يوليو, 2024
الصورة
arm
الصورة: وكالة الصحافة الفرنسية
Share

استولى مسلحون عشائريون في وسط الصومال على شحنة أسلحة غير شرعية، قادمة من إثيوبيا عبر التهريب إلى جهة غير معلومة، بعد أنّ نصبوا كمينًا لشاحنات التهريب، في 16 يوليو/ تموز الجاري، ولم تنجح جهود القوات الأمنية في استرداد السلاح من أيدي المقاتلين العشائريين. 

وقعت الحادثة في مدينة عابود واق في إقليم غلغدود بولاية غلمدغ، التي حررتها القوات الفيدرالية المدعومة بالمسلحين العشائريين من قبضة حركة الشباب، وأثارت تساؤلات عديدة حول قدرة الحكومة الفيدرالية على إدارة وتنظيم انفلات السلاح في البلد، خاصة بعد رفع حظر واردات السلاح الدولية عن البلاد، في نهاية العام 2023، وما يحمله من مخاطر تسرب السلاح إلى الميليشيات العشائرية وحركة الشباب.

ما بعد رفع الحظر

صدر قرار المجلس بتاريخ الأول من ديسمبر/ كانون الأول، 2023، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ونصّ على "اعترافاً بالمعايير التي تم التوصل إليها بشأن تنفيذ عملية الانتقال الأمني، والخطة الانتقالية للصومال، وهيكل الأمن الوطني، اعتمد مجلس الأمن بالإجماع قرارًا برفع حظر الأسلحة المفروض على حكومة الصومال الفيدرالية"، ويعود الحظر لعام 1992، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (733). أيضًا، دعا المجلس الحكومة الفيدرالية بموجب القرار إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان "عدم إعادة بيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المستوردة لاستخدامها من قبل بعض القوات الوطنية، وكذلك من قبل شركات الأمن الخاصة المرخصة، أو نقلها أو إتاحتها للاستخدام لأي فرد أو كيان لا يعمل في خدمتها".

كما جدد المجلس في الاجتماع ذاته العقوبات المفروضة على حركة الشباب المصنفة إرهابيةً، وفق القرار رقم (2713) لعام 2023، الذي نصّ على "تجديد نظام العقوبات وحظر الأسلحة المفروض على تلك الحركة الإرهابية"، وكذا جُددت عدة قرارات ذات صلة بالحركة، وهو ما يعني إمكانية فرض عقوبات على أي فرد أو كيان يُثبت تورطه في تسهيل وصول السلاح إلى الحركة، وغيرها من الكيانات التي لا تتبع الدولة. لم يكن الوصول لقرار الحظر عملية يسيرة، إذ تطلب عقدًا كاملًا من تعاون الحكومات الفيدرالية مع مجلس الأمن الدولي، وكان الأخير سمح في العام 2013 لمقديشو بالحصول على أسلحة خفيفة وذخائر، وفق آلية رقابة أممية مشددة، وفي الولاية الثانية للرئيس لحسن شيخ، تسارعت خطوات رفع الحظر بعد عقد لقاءات بين الحكومة الفيدرالية ولجنة مراقبة حظر الأسلحة التابعة لمجلس الأمن الدولي، وجاء قرار رفع الحظر بعد استيفاء الحكومة للاشتراطات الأولية المطلوبة.

تضمن قرار مجلس الأمن الدولي، رقم (2714) لعام 2023، الذي نصّ على رفع حظر واردات السلاح المفروض على الصومال، مسارين طُلب من الحكومة الفيدرالية العمل وفقًا لهما، الأول تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لإدارة الأسلحة والذخائر، والثاني الاستعانة بمشورة دائرة مكافحة الألغام التابعة للأمم المتحدة لتحقيق هذه الإستراتيجية.

أثار القرار الذي اُعتبر إنجازًا كبيرًا للحكومات الفيدرالية، وعلامةً على طريق التعافي من مرحلة الفوضى، قلقًا كبيرًا حول تداعياته على الخلافات مع صوماليلاند، التي رفضت القرار، كما أجج المخاوف من تسهيل تسرب السلاح بطرق غير قانونية إلى الجماعات المصنفة إرهابيةً، والمجموعات القبلية المسلحة، ودول الجوار. 

في إطار تلبية متطلبات ما بعد رفع الحظر، أصدر الرئيس حسن شيخ مرسومًا، نصّ على إنشاء مكتب خاص لتولي إدارة تدفق السلاح، باسم "دائرة المراقبة المركزية"، يتبع مكتب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، ويقوده حسين معلم محمود، الذي صرح بأنّ بناء قدرات الدائرة يتطلب وقتًا، لتحقيق هدف حماية السلاح الوارد إلى البلاد، من خلال تحديد ومراقبة من له الحقّ في حيازته. لكن هل يكفي ذلك، يقول العميد أحمد عبد الرحمن "تيغسذى"، الخبير الأمني والباحث في الدراسات الإستراتيجية، إنّ "هذا المكتب أُنشأ بشكل متسرع، ولا يزال دوره غامضًا، وغير معروفٍ من مهامه سوى العمل مع لجنة مراقبة حظر الأسلحة في الصومال التابعة لمجلس الأمن، والتي ما زالت قائمة حتى بعد رفع الحظر عن البلاد".

الرقابة لا تزال قائمة

يضيف تيغسذى لـ"جيسكا"، بأنّ "المجتمع الدولي والشارع المحلي لديهما شكوك حول قدرة الحكومة الفيدرالية علىإدارة تدفقات السلاح بكفاءة، ومنع تدفقه وتسربه بشكلٍ غير شرعي، كما أنّ هناك مخاوف من وصوله إلى التنظيمات الإرهابية، والمجموعات الإجرامية الأخرى، في ظل وجود موانئ عديدة خارج سلطات الحكومة، بما فيها موانئ غير رسمية، كالتي تنتشر في أنحاء البلاد"، ويحذر من أنّ "الفساد داخل الحكومة سيؤدي إلى تربح رجال أعمال من رفع الحظر".

بدوره، يذهب حسن حندبي جمعالي، وزير الأمن السابق، إلىأنّ "الإبقاء على عمل اللجنة الأممية المعنية بمراقبة قرار حظر الأسلحة دلالة على أنّ الأمر لم ينته بعد، وأنّ الرفع مرهون بمدى تنفيذ الحكومة الفيدرالية للالتزامات والشروط المطلوبة منها"، مؤكدًا على أنّ "الأسباب التي أدت إلى فرض الحظر لا تزال قائمة، ومن بينها انتشار الفوضى في البلاد، والاقتتال بين أبناء العشائر". تواجه الحكومة الفيدرالية تحديات كبيرة فيما يتعلق بوضع التشريعات والقوانين وتدشين المؤسسات المعنية بإدارة تدفقات السلاح والذخائر، ويزيد من صعوبات ذلك الخلافات مع حكومات الولايات، واستنزاف جهود البرلمان الفيدرالي في الصراع حول التعديلات الدستورية المثيرة للجدل، وتضارب المصالح بين أعضاء البرلمان والحكومة.

في هذا السياق، لم يُحقق البرلمان الفيدرالي تقدم يُذكر حيال مناقشة مشروع قانون "الأسلحة"، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في 13 يوليو/ تموز، 2023، وقدمته وزارة الأمن الداخلي، ويتعلق مشروع القانون بحسب الوزير محمد شيخ أحمد علي "دودشى"، بضبط وإدارة حيازة الأسلحة من قبل الأفراد والشركات المُصرح لها، والأجانب، ولا يناقش تدفقات الأسلحة إلى القوات العسكرية والأمنية. يكشف ما سبق، عن ضعف التعاون بين مؤسسات الدولة والمسؤولين في قضية إدارة الأسلحة، فعلى سبيل المثال لم يلتزم المسؤولون الحكوميون بقرار ضوابط حمل الأسلحة الذي أصدره الرئيس في أبريل/ نيسان، 2023، بحسب تصريحات رئيس شرطة منطقة بنادر. كما أنّ الرئيس اختار شخصية غير معروف عنها خبرة في قضايا إدارة السلاح، لتكون مستشارته لشؤون منع تدفق الأسلحة غير الشرعية إلى البلاد، وهي السيدة مروة مكو محمود موسى، التي كانت تقيم في لندن، ولديها سجل عمل في مجال شركات تحويل العملات، ولم يُعرف عن المسؤولة التي عُينت في مايو/ أيار، 2023، أي نشاط يتعلق بأداء عملها، وهو ما يعكس التخبط الذي تعانيه الحكومة الفيدرالية في التعامل مع قضية كبيرة ومعقدة.

تحديات لوجستية وتشريعية

تنبع أهمية وجود التشريعات والقوانين واللوائح في توفير السند التشريعي للمؤسسات لممارسة عملها، وهي أولى الخطوات نحو استعادة سلطة الدولة، ولهذا دون إجازة البرلمان الفيدرالي لقانون "الأسلحة"، وتوقيعه من الرئيس ليدخل حيز النفاذ، ستبقى المعالجات الأمنية لمسألة السلاح عرضة لمخالفة القوانين، ولن تلقى القبول من المواطنين، الذين سيرونها من منطلقات سياسية وليست أمنية. يُعقب العميد تيغسذى، بأنّ "القانون ذو أهمية كبيرة، ولكنه يحتاج إلى معالجة موازية للتحديات التي ستواجه الامتثال له، ومنها رفض العديد السياسيين المعارضين والولايات الإقليمية، باعتبار أنّه سينُظر إليه كتضييق من حكومة الرئيس حسن شيخ عليهم، في وقت تشهد فيه البلاد صراعات سياسية حادة".

يتفق وزير الأمن السابق، ويرى أنّ "رفع حظر السلاح قد يشكل خطرًا على البلاد، إذا لم تتصالح الأطراف الفاعلة حول القضايا السياسية الراهنة، لأنّ المؤسسات الأمنية قد تنقسم بين السلطة والمعارضة، على أسس عشائرية، كما حدث في أواخر عهد الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو". بالإضافة إلى ما سبق، توجد تحديات لوجستية تتعلق بتأسيس وتأمين وإدارة مخازن الأسلحة والذخائر، خاصة الأسلحة النوعية المطلوبة لتسليح الجيش الوطني، والتي قد تتسرب إلى جماعة الشباب المصنفة إرهابيةً، التي لا تزال لديها القدرة على اختراق وتجنيد ضباط وأفراد ومسؤولين في كافة أجهزة الحكومة الفيدرالية.

يقول عبد الله علي معو، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات والأمن الوطني، إنّ "حيازة الأسلحة النوعية يتطلب إعداد الضباط والكوادر، الذين سيتولون مهام إدارة الأسلحة والذخائر، وذلك من خلال الابتعاث إلى أكاديميات عسكرية في الخارج، إلى جانب تجهيز المخازن الملائمة لاحتواء مواد خطيرة، وهي مهام تتطلب عشرة أعوام من العمل الجاد". 

ختامًا، يمثّل قرار رفع حظر السلاح دفعةً قويةً على المستوى المعنوي والمادي للحكومة الفيدرالية، ويعزز جهودها في مكافحة الإرهاب، ولكن دون تحقيق المتطلبات المهنية والفنية واللوجستية، وتوفير الموارد البشرية المؤهلة، قد يتحول تدفق السلاح إلى خطر على الأمن القومي، سواء من خلال تسربه إلى الجماعات المصنفة إرهابيةً، أو من بظهور سوق سلاح يستفيد من رفع الحظر، في ظل استشراء الفساد داخل أجهزة الحكومات الفيدرالية والإقليمية. وإلى جانب ذلك، فالخطر الأكبر يمكن في استيلاء حركة الشباب على السلاح من المخازن الفيدرالية، في ظل قدرتها على استهداف القواعد الحكومية، والاستيلاء على مخزوناتها من الأسلحة.