الخميس 21 نوفمبر 2024
حقَّقَت مذكِّرات تانهيسي كوتس الرائدة —وعنوانها «بين العالم وبيني»— تأثيرًا فوريًّا عندما نُشِرت في عام 2015 في نهاية فترة أوباما الرئاسية المتوترة، ودفعتْ حينها بالكاتب المولود في بالتيمور إلى الصدارة في النقاش العام المتعلّق بمسألة العِرْق، فأعلنت توني موريسن ما يلي: «كنتُ أتساءل مَنْ يمكنه أن يملأ الفراغ الفكريّ الذي ابتُلِيتُ به بعد وفاة جيمس بالدوين، ولكن باتَ واضحًا لي الآن أنه تانهيسي».
تعيش الولايات المتحدة الآن، والعالم بأكمله، بعد نحو عشر سنوات في خضمّ لحظة خِلَافِيَّة أخرى. وعليه عادَ كوتس الذي يدرس في جامعة هوارد بكتابٍ يجمع بين المذكِّرات والتقارير، وعنوانه «الرسالة» (في إشارة إلى المنسِّق الموسيقيّ چراندماستر فلاش). يخوض الكتاب في بعض التأمّلات عن الكتابة والرسائل من حيث قوّتها والزيف الذي تحمله، ويتحدّث عن معنى أن تكون «وصيًّا» على تقليدٍ ما وأن «تمشي على الأرض» بعينين مفتوحتين على اتساعهما.
ويتكون الكتاب من ثلاث رحلات أو حُجَج فكريّة مقدّسة: واحدة إلى السنغال، وأخرى إلى كارولينا الجنوبية، وثالثة إلى الضفة الغربية، وكلّها أثَّرَت بقوّة في كوتس. تناول كوتس في مقابلة فيديو من منزله في نيويورك إيمانه المتزعزع في الصحافة، وحاجته إلى الاستمرار في الاستكشاف والتساؤل والكتابة، فقال ضاحكًا: «لديّ أفكارٌ تنمو من أذنيّ».
اختُصِرَتِ المقابلة وحُرِّرَت من أجل الوضوح.
يعود الكتاب إلى مقررٍ أدرسه في جامعة هوارد. أبدأ دائمًا بمقالة أورويل «لماذا أكتب» لأنه يشبُّك بين السياسة واللغة؛ وهو ما تجدهُ دومًا حاضرًا في تقاليدي الأدبية الخاصّة. رغبت حقًا في تأليف كتاب ذي طابع فنّي؛ رغبت، عبر اللغة، في ذكر الأشياء التي يجب عليك القيام بها، والتي يجب أن تتحاشاها، ووتوضيح لم تعمل الأشياء، ولم لا تعمل.
ما أحاول الوصول إليه هو إرساءُ حميميّةٍ بيني وبين القارئ، لذا غالبًا ما أبحث عمّا يشعرني بالقرب، ولذلك، يتملكني شعور دائم بوجود رابط طبيعي مع طلابي في هوارد، بعد أن قضّينا وقتاً طويلاً معاً هنالك.
وبخصوص الإطار الأعم للتقاليد التي أستندُ عليها، فقد حصلت على تقديمٍ جميلٍ من توني موريسن بعد صدور «بين العالم وبيني،» وما فتئ الناس يسألونني عن شعوري تجاهه. لقد شعرتُ بحملٍ ثقيلٍ. لم أشعر أنها كانت تراني جيمس بالدوين؛ بدى لي أنّ ما عنته هو أنّه يجب عليَّ الآن حمل المشعل الذي حمله بالدوين؛ وهذا ليس إطراءً، بل هو مسؤوليةٌ. وهو يعكس شعوراً يتلبّسُني: كتابتي مدينةٌ بوجودها لكتّاب آخرين، كتّاباً تحملهم معك وأنت تشيّد حياتك ككاتبٍ. أردت أن أبرز ذلك.
كانت الأماكن الثلاثة، بالنسبة لي، ترى كيف شكّلت القصص التي حُكِيت لي أو تشرّبتها تصوّري عن الأمكنة. وتعلّق الأمر أيضاً، في ولاية كارولينا الجنوبية، بمحاولةٍ لتأطير الشباب عبر الحدّ من انفتاحهم على القصص؛ بمعنى فلترةُ قصصٍ معيّنة لهم.
أمّا رحلة داكار فكانت صعبة للغاية، ومرّدُ ذلك هو عجزي حتّى الآن عن فهم الرابط الذي أشعر به بيني وبينها. ولعلّ السبب يعود في أنّ الرحلة كانت لتفريغِ الحزن أكثر من كونها رحلةً لرؤية السنغال والشعب السنغالي.
هل فوجئت بما اكتشفته؟ ففي ولاية كارولينا الجنوبية، على سبيل المثال، وجدتَ تحرّكاً ضد حظر كتبك.
لقد فوجئت. توقّعتُ معركةً. فمنطقة يتراوح فيها ناخبي ترمب بين 30-70 لهي منطقةٌ خطرة. ثمّ، أليست نسبة 30 في المائة نسبة هائلةً لمنطقة كتلك؟ لهذا السبب يؤكد الكتاب على الحاجة في الذهاب لرؤية الأشياء والأماكن ومعاينتها والإخبار عنها. وكانت رحلة فلسطين في المقال الثالث صدمة تمامًا بالنسبة لي.
لقد فعلت. أعني، لقد أعدت التفكير في الأمر بالفعل قبل ذهابي إلى هناك. ما زلت أعاني من تلك الرحلة—ما تعنيه من حيث العمل الصحفي، من حيث ما يراه الناس وما لا يرونه. لقد ذهبت وأنا متشككٌ في القوة الإسرائيلية؛ ولكن حجم الحرمان والقمع كان مفاجئًا.
لا. بعد تلك الرحلة، في مايو/أيار 2023، عرفت أنني يجب أن أكتبها، وقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً حقًا لإنهائها، وكنت ما أزال أكتب عندما وقع السابع من أكتوبر. لقد هالني كل ما رأيته في فلسطين لدرجة أنني اعتقدت أنه يمكن أن يكون مادة كلّ الكتاب. ما تزال لدي أسئلة حول تلك الرحلة التي تشغلني.
بصراحةٍ، سعدتُ برؤية الاحتجاجات لأنني عرفت أنه ما يزال هنالك أشخاصٌ ضمائرهم حيّة. ما كان مخيّباً للآمال هو أن هناك قطاعات معينة—وسأدرج الصحافة—كانت أكثر انشغالاً بما إذا كانت لغة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا دقيقة كما ينبغي، بدلاً من التعمق حقًا في فهم ما كانوا منزعجين منه. من المحبط أن أشخاصاً للتو تخرجوا من الثانوية يمتلكون حسًّا أخلاقيًا يقظًا أكثر من الصحفيين.
إن مشاعري مختلطة. ربما أشعر بفخر وفرح أعتقد أن الكثير من الأميركيين من أصل أفريقي على نحوٍ خاص يشعرون به في الوقت الحالي. ومن ناحية أخرى، أخشى أن يصبح التقليد السياسي الذي جعل هذه اللحظة ممكنةً مرتبطًا بوثاقةٍ بما أعتبره جريمة كبرى.
إن نضال السود من أجل الحرية هو ما جعل أوباما والآن نائبة الرئيس كامالا هاريس يشار لهما بالبنان. ما أتمناه فقط هو أن تكون هاريس ومن حولها يمتلكون ضميرًا حيًا يدفعهم إلى تبني سياسات مختلفة، لملاحظة فظاعةِ تقديم قنابل تزن 2000 رطل لإسقاطها على المدارس دون تحفظٍ. ليس هذا الانتقام جزءًا من سياستنا، على الأقل ليس جزءاً في أفضل التقاليد السياسية السوداء. آمل ألا نربط أنفسنا بذلك، لأنه سيكون فشلًا أخلاقيًا كبيرًا.