الأحد 10 نوفمبر 2024
تكررت تصريحات كبار المسؤولين الصوماليين، حول ضرورة انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس"، في موعدها المقرر، نهاية العام الجاري، مع التأكيد على جاهزية القوات الأمنية والعسكرية الوطنية لتسلم مسؤوليات الأمن كاملةً.
وانتشت حكومة الرئيس حسن شيخ محمود بالانتصارات التي حققتها بين أغسطس/ آب 2022 ويونيو/ حزيران 2023، فيما سمي بالمرحلة الأولى من الحرب الحاسمة ضدّ الإرهاب. لكن الرياح عاكست سفينة حسن شيخ، حين استثمر هذه الانتصارات المؤقتة لضمان ولاية رئاسية جديدة، ففتح في البلاد باب الصراعات حول تعديل الدستور، ثم محى الهجوم المضاد لحركة الشباب معظم الانتصارات التي تحققت، باستعادة معظم الأراضي التي سبق وحررتها القوات الفيدرالية، المدعومة بالمقاتلين العشائريين، المعروفين باسم "معويسلي".
أسباب وأخرى، دفعت الحكومة الفيدرالية إلى طلب تأجيل انسحاب قوات البعثة، ثم توجيه دعوة من مقرّ الأمم المتحدة لإرسال بعثة جديدة. فلماذا تراجعت الحكومة الفيدرالية عن اطمئنانها إلى جاهزية قواتها، لتولي مسؤولية الأمن منفردةً؟ وما هي العقبات التي تواجه اقتراح البعثة الجديدة؟ وكيف سينعكس ذلك على الحرب ضدّ حركة الشباب؟
وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2710) لعام 2023، من المُقرر أن يُغادر آخر جندي من بعثة "أتميس" بحلول نهاية العام الجاري. وبدأ الانسحاب المُقرر على أربع مراحل، وقد اكتملت المرحلة الأولى في 30 يونيو/ حزيران العام الماضي، بعد تأجيل لمدة تسعة أشهر بناءً على طلب الحكومة الصومالية. فيما انتهت الثانية في فبراير/ شباط الماضي، وشهدتا مغادرة خمسة آلاف جندي، وتسليم القوات الصومالية 13 قاعدة عسكرية. ومن المُقرر أنّ يشهد يونيو/ حزيران الجاري، رحيل أربعة آلاف آخرين، ضمن المرحلة الثالثة من الانسحاب.
وامتد تفويض بعثة "أميصوم" السابقة منذ العام 2007 حتى تعديلها إلى بعثة "أتميس"، وتولت مهام مساعدة الحكومة الاتحادية الانتقالية - الحكومة الفيدرالية في 2012 -، وتأسيس قوات الأمن والجيش وتدريبها، والمساعدة في جهود المصالحة والإغاثة، ومحاربة حركة الشباب، وحماية المؤسسات في العاصمة والولايات. وقد عملت البعثة، وفق قرار مجلس الأمن الدولي، رقم (2073) لعام 2013، وقبل ذلك عملت وفق تفويض من المجلس.
حلّت بعثة "أتميس" مكان بعثة "أميصوم"، وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2628)، وبدأت تفويضها مطلع أبريل/ نيسان من العام 2022. وتضم قوات عسكرية من دول: بوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا، وبعد إتمام المرحلتين الأولى والثانية من الانسحاب، انخفض عددها إلى 13586 جندي تقريباً. إضافة إلى قوات شرطة من دول: غانا وكينيا ونيجيريا وسيراليون وأوغندا وزامبيا، إلى جانب الموظفين المدنيين والخدمات المساعدة.
تعمل القوات العسكرية للبعثة في وسط وجنوب البلاد، ضمن ستة قطاعات، تغطي الأقاليم التي تنشط فيها حركة الشباب، وتساعد في ضمان الأمن في العاصمة والولايات والمدن الكبرى. وعلى مدار 17 عامًا، ساهمت في الحدّ من خطر الحركة، وتدريب القوات الصومالية وتأهيلها، وحماية المؤسسات الحكومية بما فيها القصر الرئاسي "فيلا صوماليا"، والمقرات والمهام الأممية.
قدَّمت قوات البعثة تضحيات كبيرة أثناء أداء مهامها، فبحسب تصريحات محمد الأمين سويف، الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في الصومال، وثقت البعثة نحو خمسة آلاف ضحية، منهم نحو 3500 قتيل، وتكبدت قوات بوروندي وأوغندا العدد الأكبر من الضحايا.
وعلى النقيض من ذلك، لم يسقط عدد كبير من الضحايا في بعثات الأمم المتحدة، لأن انتشارها عادة يكون في مناطق أقل خطورةً، ولا تقوم بمهام قتالية على غرار بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وحتى تركيا التي لم تنشر قواتها في مناطق تماس مع حركة الشباب، واحتفظت بجنودها في قاعدتها الحصينة، واكتفت بالتدريب وتقديم الإسناد الجوي بالمُسيرات.
ثمة عاملان دفعا نحو التخطيط لإنهاء مهمة بعثة "أتميس": الأول، دفع مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي إلى تقليص حجم القوات ومهامها القتالية، في ظل النقص الكبير في التمويل، وطول أمد البعثة التي دخلت عامها السابع عشر. والثاني، إلحاح الحكومات الصومالية في عهد الرئيسين؛ السابق محمد عبد الله فرماجو، والحالي حسن شيخ محمود الذي تراجع لاحقاً، على تسلم المهام الأمنية كاملةً، في توجه لا يخلو من مجاراة الخطابات الشعبوية التي تنتقص من دور البعثة، وتؤكد على السيادة الوطنية.
حول جاهزية الجيش الوطني لتولي مسؤولية الأمن منفردًا، يقول المحلل السياسي، عبد الرشيد موسى سعيد، إنّه غير قادر بعد على تحمل المسؤولية الكاملة، لعدد من الأسباب. ويذكر لـ"جيسكا"، أنّ أولها افتقار الجيش إلى العدد والحجم والمعدات والتدريب اللازم لهزيمة حركة الشباب، وتأمين البلاد بالكامل من خطر الإرهاب. والثاني، أنّه وبالرغم من رفع حظر واردات السلاح عن البلاد، لا تملك الحكومة الموارد الكافية لشراء الأسلحة لتجهيز قواتها. ويضيف، سببا ثالثا يتعلق بالخلل في هيكل الجيش، الذي يتكون من ميليشيات عشائرية سيئة التدريب، لا تتمتع بالانضباط المناسب.
يعتقد سعيد، أنّ الحكومة الفيدرالية قللت من التحديات الأمنية الهائلة التي تواجه البلاد. ويقول إنّ "حركة الشباب هي مثل الـ"هيدرا"، متعددة الرؤوس، تصعب هزيمتها في فترة زمنية قصيرة، بما لديها من قدرات مالية، محمية بشبكات اقتصادية معقدة، يُصعب على الحكومة تفكيكها".
ويذهب إلى أنّ التحديات الأمنية لا تتعلق فقط بحركة الشباب، بل لها أبعاد سياسية، لهذا من الصعب حسم الحرب على الإرهاب، قبل إرساء التماسك الاجتماعي والوحدة والاستقرار السياسي، وتشكيل جبهة داخلية مشتركة. ويرى أنّ الانتكاسات العسكرية الأخيرة في ولايتي غلمدغ وهيرشبيلي، جعلت الحكومة الفيدرالية تدرك حجم المشكلة، ولهذا السبب طلبت تأجيل انسحاب قوات "أتميس"، واستبدالها بقوات متعددة الجنسيات تحت رعاية الأمم المتحدة.
طلب الصومال خلال مؤتمر "أمن الصومال" الذي عُقد في نيويورك، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إنشاء "بعثة متعددة الأطراف محدودة وجديدة" لتحل محل "أتميس"، لتوفير الحماية للمراكز السكانية الاستراتيجية، والبنية الأساسية الرئيسية في مقديشو والولايات الإقليمية. وأثار الطلب تساؤلات داخل مجلس السلم والأمن الأفريقي(AUPSC)، وجرّت مناقشته في عدة اجتماعات، ما يؤكد على انشغال الاتحاد الأفريقي بتجنب الفراغ بعد اكتمال انسحاب "أتميس"، لإدراكه عدم قدرة القوات الصومالية على الحفاظ على المكتسبات التي تحققت على مدار 17 عامًا.
يثار النقاش في المداولات الأفريقية عن متطلبات حول تكوين بعثة ما بعد "أتميس"، وتساؤلات بشأنها من قبيل: توافر التفويض الأممي، والدول التي ستشارك في البعثة، ومهام وتفويض البعثة، وضمان تمويل مستدام، وضمان إدارة ومسؤولية الصومال عن العملية كاملةً، والتنسيق بين الصومال والاتحاد الأفريقي، والتنسيق بين أصحاب المصلحة في الصومال والحكومة الفيدرالية.
وتتصدر قضية التمويل أجندة الاهتمامات، في ظل الفجوة المُقدرة بـ 25 مليون دولار في تمويل "أتميس" للعام الجاري. وتُقدر تكاليف البعثة بـ 100 مليون دولار للعام الجاري، وسيساهم الاتحاد بـ 2.5 مليون دولار، ويسعى للحصول على 19 مليون دولار من مساهمات الدول الأعضاء، وذلك لسدّ خصاص التمويل. علمًا أن الجزء الأكبر من تمويل"أتميس" يأتي من الاتحاد الأوروبي، ودول أوروبية أخرى والأمم المتحدة، وشركاء آخرين.
يعتقد المحلل السياسي، عبد الرشيد موسى سعيد، أنّ "تمويل البعثة المُقترحة مُحاط بقدر كبير من عدم اليقين، وليس واضحًا بعد من سيمول هذه القوات. ولكن المرجح أنّ الدول الغربية ستوفر التمويل، لأنها لن تقبل بتبديد المكاسب الأمنية التي تحققت في الصومال، والتي كلفتها مليارات الدولارات طوال أعوام".
تتمثل إحدى مقاربات مجلس الأمن والسلم الأفريقي، لتجنب وجود فراغ أمني، في تحويل جزء من قوات "أتميس" إلى قوات البعثة الجديدة. وكانت أوغندا وكينيا حذرتا من حدوث فراغ أمني حال عدم وجود بديل للبعثة. وأعلنت الأولى استعدادها البقاء، بعد انتهاء تفويض "أتميس"، في إطار الترتيبات الجديدة المرتقبة. كما أنّ الثانية لن تقبل بفراغ أمني، لما يحمله ذلك من مخاطر عليها، وسبق لها قيادة عملية خاصة في ولاية جوبالاند، دون تفويض أممي.
لا يعتقد عبد الرشيد موسى سعيد، أن يحدث فراغ أمني، ويقول إنّه: "لن يكون هناك انسحاب عشوائي لقوات أتميس، وخاصة قوات البلدان المجاورة، لأن حركة الشباب لا تشكل تهديدًا للصومال فحسب؛ بل للمنطقة أيضًا. لذا، لا أتوقع سيناريو مماثل لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان".
يتوقع سعيد أن تضطلع البعثة التي طلبتها الحكومة، ب "مهمة مختلفة"، ويقول إنّها: "ربما تكون قوات متعددة الجنسيات، من الخوذ الزرقاء". ويضيف أنّ "أغلب هذه القوات قد تأتي من القارة الأفريقية. ولكن لا يمكن استبعاد قوات من خارجها، وسوف يتوقف الأمر على المفاوضات وتوفر التمويل".
ورغم أنّ الحكومة الصومالية طلبت البعثة الجديدة من مقرّ الأمم المتحدة، إلا أنّ الأخيرة ستطلب من مقديشو التباحث مع الاتحاد الأفريقي، لعدم تفضيل مجلس الأمن الدولي مزيدا من الانخراط في الصومال. كما أنّ الاتحاد الأفريقي هو صاحب الخبرة الأكبر في الصومال، ولديه قوات على الأرض، فضلًا عن قضية التمويل التي لا تساهم الأمم المتحدة فيها الكثير.
من جانب آخر، هناك تساؤل حول الدور التركي في مرحلة ما بعد "أتميس"، في ظل الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية بين أنقرة ومقديشو. في هذا السياق، يتوقع عبد الرشيد موسى سعيد، أنّ يزداد الحضور التركي، من خلال التدريب العسكري، والدعم الجوي في عمليات الحكومة ضدّ حركة الشباب، وبناء القوات البحرية، وذلك مقابل حصة الأسد من الاقتصاد الأزرق.
لكن من غير المتوقع أنّ يزيد الدور التركي عن ذلك، فمثلا لن تشارك القوات التركية في المعارك ضدّ حركة الشباب، كما أنّها لا تستطيع تحمل التكلفة البشرية على غرار قوات الدول الأفريقية. فضلًا عن ذلك، فالمصالح التركية مُحققة دون حاجة إلى الدفع بمزيد من القوات، وتحمل خسائر لن يقبل بها الشعب التركي، سواء أكانت بشرية أو مادية. لهذا من المُستبعد أنّ يتجاوز دور أنقرة مهام التدريب والدعم الجوي، والمهام البحرية التي لم تبدأ بعد، وإنّ كان من المُرجح حصولها على حصة كبيرة من مبيعات الأسلحة إلى البلاد، حال توفر الموارد أو التوصل لاتفاقية حول الأمور المالية.
ختامًا، أمام مقديشو مفاوضات شاقة مع العديد من أطراف المصلحة للوصول إلى تفويض دولي يقرّ بعثة محل "أتميس"، وتشمل هذه الأطراف: الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأفريقي، ومجلس السلم والأمن الأفريقي، ودول الجوار، والاتحاد الأوروبي، والدول المانحة. كما أنّ هناك قضايا داخلية لن تكون بعيدة عن تلك المفاوضات، مثل الخلافات بين مقديشو وبونتلاند، والتعديلات الدستورية المثيرة للجدل، وانتخابات الولايات، وغير ذلك. كما أنّ قضية الخلافات مع إثيوبيا لن تكون هي الأخرى بعيدة عن تلك المفاوضات.