تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 22 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

مستقبل صوماليلاند في الذكرى الثالثة والثلاثين للانفصال

22 مايو, 2024
الصورة
(الصورة: بن ستانسال/وكالة الصحافة الفرنسية عبر: Getty Images)
(الصورة: بن ستانسال/وكالة الصحافة الفرنسية عبر: Getty Images)
Share

تحتفل جمهورية صوماليلاند في الثامن عشر من شهر مايو/ أيار كل عام بذكرى استعادة استقلالها عن الصومال، وتحلّ الذكرى الثالثة والثلاثين هذا العام في ظل ظروف داخلية وخارجية معقدة، تواجهها الجمهورية المعلنة من طرف واحد، منذ عام 1991. 

يمثّل الحدث مناسبةً لإعادة طرح السؤال الذي طالما شغل بال كثير من مواطني الجمهورية، حول تقبل دول العالم ممارسة شعب لحقه في تقرير مصيره، وعن مستقبل بلدهم الرهين بمدى قبول العالم بهذا الحقّ.

 

خلفيات ومبررات الانفصال

قبل استقلال محمية صوماليلاند (الصومال البريطاني) والصومال الجنوبي (الصومال الإيطالي) بشهرين من القوة الاستعمارية الاروبية، زار وفد من المجلس الحكومي للأولى مقديشو، والتقى بحكومتها لعرض مقترح الوحدة، وتأسيس الجمهورية الصومالية، فاقترحت عليهم البقاء "مستقلين فترة"، ووصفت بأن فكرة الوحدة "متسرعة" و"مبكرة"، لكن وفد صوماليلاند تمسك بفكرة الاتحاد دون قيد أو شرط. وتمّ الاتفاق على دمج الإقليميين في دولة واحدة، في الأول من يوليو/ تموز 1960، المحدد لحصول الصومال الإيطالي على الاستقلال، وأنّ يكون مقرّ الحكومة في مقديشو، وهو ما حدث. حصلت صوماليلاند على استقلالها، في 26 يونيو/ حزيران 1960 قبيل الصومال الجنوبي، واعترفت الأمم المتحدة وعدة دول بها دولة مستقلة، لكن قادتها تخلوا طواعية عن الاستقلال، واندمجوا في وحدة مع الصومال الجنوبي، لتظهر دولة الصومال الحديثة.

تُرجمت تلك الوحدة في أول دستور جرى اعتماده، بعد استفتاء 20 يونيو/ حزيران 1961، وتم تطبيقه بأثر رجعي إلى يوم الاستقلال. لكن الدستور الذي المفترض فيه توثيق الوحدة قانونيًا ووجدانيًا، تحول إلى بذرة شقاق، بسبب إقصاء الشماليين (صوماليلاند) من عملية صياغته. لذا قاطع معظم سكانها الاستفتاء عليه، بدعوة من حزب الرابطة الوطنية الصومالية الذي كان في طليعة دعاة الوحدة.

لم يكن الخلاف حول دستور الوحدة هو الإشكالية القانونية الوحيدة للاندماج، إذ اختلف برلماني الإقليمين في صياغة قوانين الاتحاد، ما دعا قانونيين إلى اعتبار الوحدة مشوبة بالبطلان القانوني. من جانب آخر، وبعيدًا عن تلك الإشكالات، فإن ممارسة سلطة الدولة الواحدة لمدة 31 عامًا، وتوثيق ذلك في دستوري 1961 و1979، واعتراف المجتمع الدولي بالصومال كدولة واحدة، وغير ذلك من المعاهدات والقوانين الدولية والممارسات، يجعل من الاستناد إلى الحجج القانونية مسارًا شائكًا، وربما غير مجدٍ.

ينبع المدخل الأهم للنظر فى انفصال صوماليلاند، أو بمعنى أدق استعادة الاستقلال من تجربة الوحدة التي استمرت من عام 1960 حتى 1991، والتي انتهت بسقوط مؤسسات الدولة عقب الحرب الأهلية. فقد انفرد الجنوبيون، خلال تلك التجربة، بصياغة مستقبل الاتحاد. بداية بكتابة الدستور وتمريره، وتكرر الأمر في انقلاب 1969، الذي حوّل صوماليلاند من شريك إلى إقليم تابع لسلطة مركزية، وصعد خلاله سياد بري إلى سدة الحكم.

وجد بري تأييدًا شعبيًا لأفكاره الاشتراكية التي أعلنها، بالاضافة إلى السخط الشعبي المتراكم على فساد الحكومات المدنية وضعف اداءها، لكن ممارسات النظام الاقصائية والتهميش بحقّ سكان الشمال جعل منه نقطة انطلاق للمعارضة، مع تأسيس الحركة الوطنية الصومالية (SNM) في الشمال، عام 1982. 

حين هاجمت الحركة قواعد للجيش الصومالي، ردّ نظام سياد بري بقصف مدينتي هرجيسا وبرعو، عام 1988. وقد خلّف القصف نحو 50-100 ألف قتيل، وتسبب في تدمير 90% من المدينتين. في شهادته على القصف، قال أرييه نير، الشريك المؤسس لـ"هيومن رايتس ووتش": "في محاولة لطرد الحركة الوطنية الصومالية، استخدمت الحكومة القصف المدفعي والجوي، وخاصة في هرجيسا وبرعو بشكلٍ يومي، واستهدفت بشكل خاص أهدافًا للسكان المدنيين".

بسقوط الحكم العسكري، انفردت الفصائل الجنوبية المسلحة بإعلان حكومة وطنية جديدة، في مقديشو، واعتبار علي مهدي محمد وريثًا شرعيًا لنظام سيادي بري مطلع عام 1991، دون التشاور مع الحركة الوطنية في صوماليلاند (SNM)، والتي قامت بدور كبير في معارضة نظام سياد بري وإنهاك قدراته العسكرية والاقتصادية في الشمال وصولا إلى إسقاطه.

ساهم التشكيل المنفرد للحكومة في مقديشو، ومن قبل التجربة المريرة للوحدة، في حسم الآراء داخل الحركة الشمالية نحو استعادة الاستقلال. فقادت الحركة سلسلة من الاجتماعات والمؤتمرات لعشائر صوماليلاند، وفي مايو/ أيار 1991 نُظم أول مؤتمر وطني في مدينة "برعو"، بمشاركة قادة الأجنحة المسلحة في الحركة، وبحضور الزعامات العشائرية الشمالية. وصدرت عن المؤتمر ثلاثة مخرجات ريئسية، وهي: إعلان استقلال صوماليلاند والعودة إلى الحدود الاستعمارية، وتوطيد السلام بين العشائر الشمالية، وبناء حكومة انتقالية بإدارة الحركة الوطنية، لمدة عامين، مع ضمان التمثيل العادل للعشائر الشمالية فيها.

ملمح آخر لتقييم تجربة الوحدة، هو ما واجه البلدين من مشكلات مؤسساتية، بسبب الخلفيات القانونية والتنظيمية المختلفة، حيث تأثرت صوماليلاند بالثقافة البريطانية، وتأثر الصومال بالثقافة الإيطالية. تلك المشكلات لا تزال إحدى الاختلافات الحاضرة بين الطرفين، وإنْ اختلفت في مضمونها، حيث تحولت من الخلفيات الاستعمارية إلى المحلية. 

تنبع الاختلافات الأساسية اليوم من النظام السياسي المتبع بين الطرفين، حيث كانت الديمقراطية والاقتراع العام المباشر النواة التي تكونت حولها الدولة في صوماليلاند، بينما كانت المحاصصة العشائرية، ونظام الانتخاب العشائري المعروف باسم (4.5)، هو الأساس الذي تشكلت الدولة عليه في الصومال الفيدرالية.

 

بناء مؤسسات الدولة

خلال رحلته إلى باريس، عام 1998، وصف محمد إبراهيم عيقال الذي شغل منصب رئيس وزراء صوماليلاند قبل الوحدة، وثاني رئيس بعد فك الارتباط مع الجنوب، شعور الوفد الذي زار مقديشو عام 1960 لطلب الوحدة، بأنّهم حين وقعوا وثيقة الوحدة كانوا "سعداء ومتحمسين". وتابع "ذلك كان أكبر خطأ في حياتي، لكنّي كنت واثقًا وقتها من أنّ هذا القرار هو الأفضل والأكثر تقدمية، ولاحقًا كان لدي العديد من الأعوام للندم".

عقب أشهر من استعادة الاستقلال، اندلع القتال بين قادة الحركة الوطنية عام 1992. ومرة ثانية، اجتمع زعماء العشائر وقادة الحركة في مدينة بورما، عام 1993، وتم التوصل لإنهاء الصراعات، والاتفاق على "الميثاق الوطني" الذي اُعتبر بمثابة دستور أولي. ونصّ الميثاق على الفصل بين السلطات الثلاث، وبناء القوى الأمنية وضبط فوضى السلاح، وتأسيس برلمان من غرفتين، وهما: مجلس الشيوخ؛ ويتكون من شيوخ العشائر، ويُسمى (الغورتي)، ومجلس النواب، ويتكون كل منها من 82 مقعدًا.

واختار اجتماع "بورما" السياسي محمد إبراهيم عيقال رئيسا للبلاد، وكانت أولى أعماله حلّ الحركة الوطنية الصومالية. ثم شرعت الحكومة في إعادة إعمار مدينتي هرجيسا وبرعو، وبمساعدة تحويلات واستثمارات المغتربين بدأت عجلة الاقتصاد في الدوران، دون مساعدة تُذكر من المجتمع الدولي الذي كان منشغلًا بالحرب الأهلية في الجنوب.

ترسخ الاستقرار في صوماليلاند، مع إقرار الدستور المؤقت في 1997، سنوات بعدها، وتحديدا عام 2001، أجرى الرئيس الراحل عيقال تعديلًا دستوريًا، تضمن التأكيد على الاستقلال وفتح المجال السياسي أمام التعددية الحزبية، وصوت 97.9% من الناخبين لصالح الدستور رغم العيوب التي شابت عملية التصويت على الدستور ومحدودية رقعتها.

نجحت صوماليلاند في الحفاظ على الاستقرار، بالرغم من الوفاة المفاجئة للرئيس عيقال، في مايو/ أيار 2002، حيث تولى نائب الرئيس طاهر ريالي كاهن مهام الرئاسة، حتى تنظيم الانتخابات الرئاسية في 2003، ثم عُقدت الانتخابات النيابية في 2005. من حينها، انتظمت الانتخابات العامة في البلاد، على الرغم من التأجيل المتكرر في عقدها في موعدها الدستوري. 

لم يخلّ ذلك الاستقرار من تحديات، منها الخلافات السياسية بين المعارضة والسلطة، والتي شهدت في العام 2022 سقوط 11 قتيل ، خلال فضّ تظاهرة طالبت بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. لكن ما يميز صوماليلاند هو القدرة على إدارة الخلافات عبر النظام الهجين، الذي يمزج بين مؤسسات الدولة الحديثة مع المؤسسات التقليدية العشائرية.

 

 دولة قائمة بلا اعتراف

 بذلت صوماليلاند على مدار عقود، جهودًا كبيرة في سبيل نيل الاعتراف. وافتتحت مكاتب تمثيلية في نحو عشرين دولةً، ولديها ممثلين في الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيغاد والاتحاد الأوروبي، كما افتتحت عدد من الدول قنصليات وتمثيليات دبلوماسية لها في هرجيسا. وانتهجت سياسة التقرب من الغرب، بحثًا عن الاعتراف الدولي، لكن تلك الدول اشترطت الاعتراف بالاتفاق مع مقديشو.

رفضت هرجيسا من جانبها المشاركة في كافة مؤتمرات المصالحة الوطنية في الصومال، انطلاقًا من كونها دولة مستقلة غير معنية بالحوار الداخلي في الصومال. لكن مشاركتها في مؤتمر لندن للمصالحة في عام 2012 شكل انعطافة فارقة، حيث وجدت نفسها مضطرة للتفاوض مع مقديشو استجابةً لشرط المجتمع الدولي للتعامل مع قضيتها. وفي سبيل ذلك شارك الطرفان في عدة لقاءات توزعت في دبي وأنقرة وجيبوتي، كان آخرها في نهاية عام 2023 بين الرئيسين حسن شيخ محمود وموسى بيحي. لكن تلك الجهود انهارت، عقب توقيع هرجيسا مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، بعد يوم من لقاء جيبوتي. 

ومن المستبعد إحداث اختراق في ملف المفاوضات أو المصالحة بين الطرفين، في ظل تمسك كليهما بموقف نقيض الآخر؛ فصوماليلاند متمسكة بالاستقلال، ومقديشو تتمسك بالوحدة، وكلا رئيسي البلدين غير قادر على طرح بديل آخر أمام شعبه.

 

ازدواجية المعايير الدولية

مارس شعب صوماليلاند حقّ تقرير المصير في استفتاء 2001، والمنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة (1-1) بالقول: "لجميع الشعوب حقّ تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرّة في تقرير مركزها السياسي، وحرّة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي". لكن مع ذلك لم يأخذ الاتحاد الأفريقي المعني الأول بشؤون القارة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بذلك. 

وعلى المستوى الدولي، توجد حالات عدّة لإجراء الاستفتاء طلبًا للاستقلال، وبعضها تم القبول به والآخر رُفض. وقاريا، تعتبر حالتي إريتريا وجنوب السودان الأحدث، وتصلحان كنموذج للمقارنة مع صوماليلاند، ففي حالة جنوب السودان مثلا خالف الاعتراف بها أحد مبادئ الاتحاد الأفريقي، وهو الحفاظ على الحدود الجغرافية الموروثة من عهد الاستعمار. ومع ذلك، وفرّت دولة السودان الإطار القانوني بموافقتها على إجراء استفتاء لتقرير المصير.

مقارنةً مع ذلك، لا يخالف استقلال صوماليلاند هذا المبدأ؛ حيث كانت حدودها الموروثة من الاستعمار منفصلة عن الصومال، وتم الاعتراف بها كدولة مستقلة من قبل 35 دولة، بما في ذلك الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قبل أنّ تختار الاندماج طواعيةً مع الصومال الإيطالي في دولة واحدة.

أما الحالة الثانية للمقارنة فهي إريتريا، التي ألحقها المستعمر بدولة إثيوبيا، وتجاهل المجتمع الدولي مطالب شعبها بتقرير المصير، حتى حصلت على الاستقلال عام 1991 من خلال ترتيبات شكلية مع جبهة التغيراي الحاكمة حينها لإثيوبيا في تحالف الجبهة الشعبية الديمقراطية الاثيوبية. ويأتي التشابه من كون الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي قبلا باستقلال دولة، أعلنت استقلالها بعد ثورة شعبية مسلحة، بينما رفض نفس الحق لصوماليلاند التي استعادة استقلالها بعد ثورة شعبية مسلحة هي الأخرى، كما أنّ كلا البلدين لم يكونا جزءًا من الدولتين اللتين يطالبان بالانفصال عنهما.

مع ذلك، فإنّ التفسيرات الواسعة وغير المحددة حول مفهوم حقّ تقرير المصير، تقف عائقًا أمام الاعتراف باستقلال صوماليلاند، ليبقى الراحج أنّ تذهب التوصيات نحو البحث عن حلّ مع مقديشو، التي ستطرح أشكالا من التشاركية السياسية، على غرار الكونفيدرالية.

إن الخلاصة فيما يتعلق بهذا الحقّ، هي أنّ الاعتراف بحقّ شعب صوماليلاند في تقرير مصيره ليست مسألة قانونية، حتى وإن حاجج الكثيرون بأنّ هذا الحقّ نشأ لمعالجة قضايا تصفية الاستعمار. فضلًا عن ذلك، تبقى المواثيق التأسيسية للاتحاد الافريقي مُقدمة على القوانين الدولية، وهي إحدى العقبات التي تقف عائقًا أمام الاعتراف باستقلال صوماليلاند، كما تُجيب الدول الغربية على مساعي الثانية للاعتراف بأنّ عليها حلّ تلك المشكلة أولًا مع مقديشو.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الاتحاد الإفريقي إلى صوماليلاند في عام 2005، والتي أوصت بأنّه "يجب على الاتحاد الإفريقي إيجاد طريقة خاصة للتعامل مع هذه الحالة المعلقة. إن عدم الاعتراف يربط ويكتف أيدي سلطات وشعب صوماليلاند، لأنها لا تستطيع أن تتعامل بشكل فعال ومستدام مع العالم الخارجي، لمتابعة أهداف إعادة الإعمار والتنمية في البلاد". وذكر التقرير أيضًا أنّه "يجب أن يحسم الاتحاد الإفريقي الحكم على حالة صوماليلاند، من وجهة نظر تاريخية موضوعية، وزاوية أخلاقية تجاه شعب صوماليلاند وطموحاته".

إنّ قضية الاعتراف باستقلال شعب ما هي سياسية في المقام الأول، وتستجيب كل دولة على حدة وفق مصالحها السياسية. وفي حالة صوماليلاند تعارض معظم الدول استقلال صوماليلاند لأسباب مختلفة.

فمثلا، يعارض الاتحاد الأوروبي وإيطاليا لأسباب اقتصادية والروابط الاستعمارية، وتدعم مصر وحدة الصومال ضمن صراعها مع إثيوبيا، كما يفضل العالم العربي دولة واحدة سنّية في القرن الإفريقي. وترى الولايات المتحدة وغالبية دول أوروبا أنّ الاعتراف باستقلال صوماليلاند لن يساعد جهودهم لإعادة الاستقرار في الصومال. أما معظم دول القارة الإفريقية فلديهم مخاوف تجاه الوضع القاري، وظهور حالات انفصالية أخرى.

وفي محاولتها الأحدث لنيل الاعتراف الدولي، وقعت صوماليلاند مذكرة تفاهم مع إثيوبيا، تتضمن منح الثانية حقّ إقامة قاعدة عسكرية على سواحلها بنظام تأجير الأرض لمدة خمسين عامًا، وحقّ الوصول إلى مياهها البحرية، مقابل الاعتراف باستقلال صوماليلاند، ومنحها حصة في شركة الطيران أو الاتصالات الإثيوبية.

لكن تلك المذكرة لم تتحول بعد إلى اتفاقية، ولم تدخل بعد حيز النفاذ، وتحولت إلى ما يشبه مناسبة دولية لعرض مواقف الدول من قضية الاعتراف باستقلال صوماليلاند.

وكشفت ردود الأفعال الإقليمية والدولية أنّ المجتمع الدولي غير مستعد لتقبل صوماليلاند كدولة مستقلة، ولا يريد الانشغال بتبعات ذلك على الصومال والقرن الأفريقي، في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات سياسية حادة.

 

مستقبل صوماليلاند

تتميز ذكرى الانفصال لهذا العام بثلاثة أحداث، أولها الخروج من أزمة تأجيل الانتخابات الرئاسية والحزبية المقرر عقدها أواخر العام الجاري، ومن المتوقع أنّ تكون المشاركة الشعبية كبيرة في تلك الاستحقاقات. فضلًا عن كونها تذكير للعالم بحقّ الشعب في الاعتراف بتقرير مصيره.

والثاني هو أزمة لاسعانود التي جلبت انتقادات واسعة على صوماليلاند، بسبب ما وُصفته منظمات دولية بانتهاكات متصلة بحقوق الإنسان تعرض لها سكان لاسعانود. وعلى الرغم من جمود الموقف العسكري، بعد انسحاب جيش صوماليلاند من لاسعانود ومحيطها قبل أشهر، فإنّ تعهد قائد الجيش باستعادة المناطق التي انسحبت منها قواته، يهدد الاستقرار في صوماليلاند والصومال و يعيد الأمور الي مربع الصراع والاشتباكات بين صوماليلاند والمليشيات العشائرية المدعومة من أطراف في الصومال.

ارتباطًا بذلك، يأتي الحدث الثالث وهو مذكرة التفاهم التي وقعتها هرجيسا وأديس أبابا، فمن المؤكد أنّ مقديشو ستنظر لأي تحرك عسكري من صوماليلاند على أنّه مدعوم من إثيوبيا، وستوظف ذلك دبلوماسيًا ضد استقلال صوماليلاند.

ختامًا، ليس من المرجح حدوث تغيير في موقف المجتمع الدولي تجاه قضية استقلال صوماليلاند في المدى المنظور، حيث تفضل دول العالم بقاء الوضع على ما هو عليه. ولكن ذلك التجاهل قد يدفع بالمنطقة إلى الاضطراب على المديين المتوسط والبعيد، سواء أقدمت صوماليلاند على استعادة لاسعانود بالقوة، أو قامت مقديشو مدعومة من تركيا بفعل تراه هرجيسا انتهاكًا لسيادتها.