تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

مؤتمر المغتربين الصوماليين في الدوحة.. أية دلالات؟

24 يوليو, 2024
الصورة
مؤتمر المغتربين الصوماليين في الدوحة
Share

استضافت العاصمة القطرية، الدوحة، مؤتمر المغتربين الصوماليين، على مدار ثلاثة أيام، في الفترة من 22 إلى 24  يوليو/ تموز الجاري، تحت شعار "تسخير قوة المغتربين الصوماليين من أجل صومال أفضل وأكثر ازدهارًا"، بدعوة من وزارة الخارجية الصومالية، ورعاية من دولة قطر.

تنبع أهمية المؤتمر من عدة أوجه؛ بدء بمكان الانعقاد فلأول مرة يكون في مدينة عربية، والثاني رعاية وزارة الخارجية الصومالية للمؤتمر، والثالث الحضور الكبير من المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، ووزير الخارجية الصومالي، ووزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، والرابع توقيت المؤتمر، وارتباطه بالعودة النشيطة للدوحة إلى الصومال، والأخير تزامنه مع الحديث عن مفاوضات محتملة بين الحكومة الفيدرالية وحركة الشباب برعاية قطرية.

تشجيع الاستثمارات

شارك في المؤتمر أكثر من 250 شخصية من المسؤولين والممثلين الصوماليين، من مختلف الدول الأوروبية والولايات المتحدة والخليج العربي، وهدف إلى تعزيز الحوار الشامل حول التعليم وريادة الأعمال والثقافة والهوية، بالإضافة إلى تمكين الشباب، وتشجيع العودة والاستثمار، بحسب أجندة المؤتمر.

يساهم المغتربون الصوماليون بدور بارز في الاقتصاد الوطني، من خلال التحويلات المالية لدعم العائلات، وبحسب تقديرات 2018، بلغت قيمة التحويلات 1.3 مليار دولار، فيما المساعدات الإنسانية الدولية لم تتجاوز 800 مليون دولار. يذكر أن 40% من الأسر الصومالية، تعتمد على تلك التحويلات في تحقيق الأمن الغذائي. كما يعمل أكثر من 50 ألف شخص في جميع أنحاء العالم، في منافذ شركات تحويل الأموال الصومالية، وهي القناة الرئيسية للتحويلات المالية، في ظل ضعف النظام البنكي في البلاد.

سبق هذا المؤتمر تنظيم إدارة شؤون الشتات التابعة لوزارة الخارجية منتدى بعنوان "الاستثمار في الشتات الصومالي" في 11 مايو/ أيار 2024، في العاصمة، مقديشو، لترويج الفرص الاستثمارية أمام المغتربين. يقول آدم شيخ حسن، مستشار وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية، الذي شارك في المؤتمر، إنّ "هذه المرة الأولى التي ترعى فيها وزارة الخارجية من خلال إدارة الشتات مؤتمر المغتربين في الخارج، بعد أنّ رعت العديد من المؤتمرات والفعاليات في مقديشو، من أجل تشجيع المغتربين على المشاركة في إعادة الإعمار، بما لديهم من خبرات أكاديمية وعملية في كبرى المؤسسات الغربية". ويضيف لـ"جيسكا" أنّ "المؤتمر سيناقش العديد من المحاور بانفتاح وشفافية، واُختيرت الدوحة كأول مدينة عربية لعقد المؤتمر، لأنّها رحبت بالفكرة، ويسرت ذلك".

يأتي انعقاد المؤتمر في وقت تشهد فيه البلاد انتقالًا اقتصاديًا، بحصولها على إعفاء من معظم الديون الخارجية، بعد وصولها إلى نقطة الإنجاز في المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)، في نهاية عام 2023، والتي بموجبها أُعفيت البلاد من 4.5 مليار دولار بدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمشاركة أعضاء نادي باريس، والدائنين من مجموعة التنسيق العربية وغيرهم، لتنخفض الديون من 64% من إجمالي الناتج المحلي الاسمي في عام 2022، إلى 6% من الناتج الاسمي عام 2023.

تبعًا لذلك، تحتاج الحكومة الفيدرالية إلى تعبئة موارد مالية من النقد الأجنبي لتمويل عجز الموازنة، وتوفير التمويل اللازم للإيفاء بمتطلبات التجارة الخارجية. ويعتبر الاستثمار الأجنبي من أهم المصادر لتوفير موارد مالية للحكومة الفيدرالية، وخلق فرص العمل. كما تعول على إسهامات المغتربين؛ سواء في الاستثمار المباشر والدعم السياسي، من خلال حضورهم في الدول الغربية.

لماذا الدوحة؟

على هامش المؤتمر، استقبل الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية القطري، نظيره الصومالي حمزة عبدي بري، واستعرضا علاقات التعاون بين البلدين، وسبل دعمها وتطويرها. وأكد على وقوف بلاده الدائم إلى جانب الصومال، ودعمها لمؤسسات الدولة، ولكافة الجهود الهادفة لتحقيق الأمن والاستقرار.

يعد المؤتمر دلالة على تنامي العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد فترة من الفتور في العام الأول لتنصيب الرئيس حسن شيخ، الذي انتظر 10 أشهر حتى قيامه بزيارة إلى قطر، التي تعتبر واحدة من أهم الدول الفاعلة في الملف الصومالي، خاصة في عهد الرئيس السابق، محمد عبد الله محمد "فرماجو". اللافت أنّ هذه الزيارة لم تكن زيارة دولة، وكانت لحضور منتدى الأمم المتحدة الخامس حول الدول النامية، وجاءت زيارة الدولة أياما بعد توقيع إثيوبيا مذكرة التفاهم مع  صوماليلاند، مطلع العام الجاري، والتي عدتها مقديشو انتهاكًا لسيادتها، وتعديًا على حدودها.

تكثفت لقاءات مسؤولي البلدين بعد زيارة حسن شيخ الأولى، وزار رئيس الوزراء، حمزة عبدي بري، الدوحة مرتين في أقل من عام، الأولى في سبتمبر/ أيلول 2023، والثانية في يوليو/ تموز الجاري. كما استضافت الدوحة الاجتماع الثالث لمجموعة "أصدقاء الصومال"، التي تضم الإمارات وقطر والصومال وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في يونيو/ حزيران 2023.

لا تنفصل التحولات السابقة عن المشهد الأوسع للتغيرات في الإقليم والشرق الأوسط، حيث خفتت حدة صراعات المحاور الخليجية والعربية، والتي كانت الصومال إحدى ساحاتها، وبخسارة الرئيس السابق، فرماجو الحكم، أعادت الدوحة توجيه دفة سياستها تجاه الصومال؛ من الانحياز إلى أحد الأطراف إلى الموازنة بين جميع الفاعلين المحليين، وربط مصالحها بالدولة لا الأفراد.

بالإضافة إلى ذلك، تلتقي المصالح القطرية في القرن الأفريقي مع المصالح الصومالية، حيث تريد قطر تأمين موقع قدم لها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، الذي تمرّ منه صادراتها النفطية والغازية إلى أوروبا. كما أنّها بذلك ستكون قريبة من السياسة الإماراتية النشطة في الصومال وصوماليلاند وإثيوبيا.

التفاوض مع الشباب

عملت الدوحة، خلال الأعوام الأخيرة، بعد خفوت حدة الخلافات العربية – العربية، على تقديم نفسها في صورة جديدة، تتمثّل في دور الوساطة لحل الصراعات الدولية، مع نجاحها في التوصل لاتفاق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

تأكيدًا على هذا النهج، قال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية في "منتدى أوسلو" في يونيو/ حزيران 2024، الذي حضره رئيس وزراء النرويج والرئيس الصومالي، إنّ "الوساطة تجسد مبادئ الدبلوماسية والتعاون الدولي من خلال إعطاء الأولوية للتواصل والتسوية، مما يجعلها أداة لا غنى عنها لحل النزاعات بالوسائل السلمية". بالتزامن مع المنتدى نشرت وكالة الأنباء القطرية "قنا" مقالًا، جاء فيه "دبلوماسية الحوار والإنسانية تتضح من خلال دور دولة قطر كلاعب دولي في حل الصراعات بالمنطقة والعالم، فمنذ عام 2008 استطاعت التوسط في أكثر من 10 قضايا إقليمية ودولية رئيسية من منطلق الجانب الإنساني، وبما تملكه من سجل حافل بالنجاحات في مجال الوساطة"، وركز المقال على إبراز دور قطر الإنساني، وفي رعاية المصالحات في أفغانستان وليبيا والصومال.

بناءً على ذلك، هناك اعتقاد أنّ قطر تدفع لعقد مفاوضات بين الحكومة الفيدرالية وحركة الشباب، بهدف إنهاء الصراع الذي دخل عامه الـ 17 بين الطرفين، وخلف عشرات الآلاف من القتلى والمصابين، وخسائر مادية كبيرة، وتعطيل استعادة مؤسسات الدولة. في هذا السياق، ربطت أنباء بين مؤتمر المغتربين الصوماليين والتفاوض المحتمل، خاصة أنّ الرئيس حسن شيخ نفى بعد عودته من "منتدى أوسلو" الذي شارك فيه وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، وجود أية مفاوضات مع الحركة، وقال إنّه "لا توجد مفاوضات مع حركة "الشباب" وعلى الشعب الصومالي أن يطمئن أن الحكومة لن تفتح باب المحادثات".

كتب جوليد أحمد، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط (MEI) في واشنطن، عبر منصة "إكس"، أنّ "نائبة في البرلمان الصومالي كشفت عن محادثات سرية مخطط لها بين حركة الشباب والحكومة الفيدرالية، كان من المفترض أن تتم في الدوحة. وقيل إن وزير الخارجية ووزير التعليم أرسلا 250 شخصًا، يُزعم أن بعضهم ممثلين لحركة الشباب، متنكرين في هيئة مندوبين، ولكن بعد انكشاف الأمر تأجلت المفاوضات".

في السياق ذاته، نشر موقع "Africa intelligence" تقريرًا أشار إلى الشروط الثلاثة التي وضعها الصومال للقبول بالتفاوض مع الشباب، وهي: قطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية الدولية، والالتزام بوحدة وسيادة الصومال، والقبول بالنهج السلمي كأداة للتغيير والمشاركة السياسية. كما رجح التقرير إمكانية قيام قطر بدور الوساطة، نظرًا لخبراتها الواسعة في قضايا الوساطة في مناطق النزاعات.

لا يتعدى الحديث عن استخدام مؤتمر المغتربين كغطاء للتفاوض خانة المزاعم، ومع ذلك لا ينفي هذا احتمال قيام قطر بوساطة بين الحكومة الفيدرالية وحركة الشباب. لكن يبدو أنّ الحكومة الفيدرالية لن تتنازل عن الشروط الثلاثة سابقة الذكر. أيضًا، استفادت الدوحة من استضافة مؤتمر المغتربين في تعزيز العلاقات مع النخب الصومالية، التي تقوم بدورٍ بارز في توجيه السياسة الصومالية، من خلال حضورهم الكبير في الحكومات الفيدرالية والإقليمية، ودورهم الكبير في العلاقات الصومالية مع الولايات المتحدة وأوروبا، ويمكن من هنا فهم اللقاءات المكثفة التي سبقت المؤتمر في مقديشو، حيث اُستقبل السفير القطري من كلٍ من وزير الخارجية ورئيس الوزراء والرئيس على التوالي، خلال فترة قصيرة.