تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سينما

"شاي أسود": ماذا أراد سيساكو إخبارنا بعد 10 سنوات من الغياب؟

17 يوليو, 2024
الصورة
شاي أسود
شاي أسود
Share

انتظر عبد الرحمن سيساكو، المخرج الفرنسي، الموريتاني الأصل، عشر سنوات ليخرج فيلمه الجديد، بعنوان "شاي أسود"؛ يقدم من خلاله قصة شاعرية ورمزية، تدور حول شابة إيفوارية تُدعى "آيا"، تهاجر إلى الصين بعد رفضها الزواج، في يوم زفافها. يتطرق الفيلم إلى قضية المنفى، وهي تيمة أساسية في أعمال سيساكو، وذلك من خلال قصة حب غير تقليدية، تجمع بين المُهاجرة من أفريقيا "آيا"، ورجل صيني، في منتصف العمر، يُدعى "كاي" يدير متجرا لشاي.

بناء درامي مفكك

يشارك في العمل ممثلان رئيسيان: نينا ميلو "Nina Melo" الممثلة الفرنسية الشابة، من جذور أفريقية، وتشانغ هان"Han Chang"، الممثل التايواني، ذو الخمسين عامًا، فضلا عن مجموعة أخرى من تايوان، حيث صُور الفيلم، الذي شاركت في إنتاجه العديد من الدول، منها فرنسا وموريتانيا، وجهات دولية أخرى، بميزانية بلغت 6.3 مليون يورو، وعائدات لم تتجاوز 398 ألف يورو، منذ عرضه في قاعات السينما في 24 فبراير/ شباط 2024.

منذ اللقطة الأولى، حين تتسلق نملة سوداء فستان زفاف آيا الأبيض، يغرق الفيلم في عالم من الرمزية الشاعرية، حيث تُذكر النملة بالاستعارات المستخدمة في فيلم "تمبكتو"، للمخرج نفسه، في عام 2014، ومنها مشهد مطاردة الغزال (رمز الأنوثة) من قبل الجماعات الدينية المُسلحة، التي تنشط في دولة مالي، حيث تقع المدينة التاريخية، التي اشتهرت بكونها منارة للحضارة الإسلامية في غرب أفريقيا. 

يبدأ حضور "آيا" بالتمرد على التقاليد الاجتماعية، بكلمة تُنطق أمام حشد من الناس في يوم زفافها، تعبيرا عن رغبتها في الحرية والتمرد، ورغبتها الجامحة في الهروب، والانطلاق إلى واقع آخر مغاير تمامًا. لكن الفيلم الذي شارك سيساكو في كتابته، لا يُخبرنا لماذا سافرت البطلة إلى الصين بالتحديد، وهل لذلك علاقة بالحضور الصيني المتزايد في القارة الأفريقية؟ ولم يحلّ التناقض بين اختيار فتاة متمردة لدولة ذات ثقافة مغايرة، لا تشتهر بالحرية التي تنشدها الروح المتمردة.

تنتهي قضية "آيا" في بلدها سريعًا، حيث ألقت الشرطة القبض عليها، وسارت في شارع تحيط بها نظرات المارة التي ترمقها بتعجب، ثم تنتقل الكاميرا إلى حي "جوانزو" في الصين، المعروف باسم "شوكولات سيتي"، حيث تعيش جالية أفريقية. لم يخبرنا سيساكو أيضا عن سبب القبض على فتاة ترفض الزواج، وعن سبب إطلاق سراحها، وكان عليه ذلك، حتى لا يظهر بصورة المتحيز ضد الثقافات الأفريقية.

يُوظف العمل تقنيات التصوير لخلق فسيفساء من اللقطات البانورامية، التي تعكس امتزاج الثقافات الأفريقية الصينية، من خلال واجهات العرض وصالونات الحلاقة والموسيقى، ليُضفي ذلك بُعدًا جماليًا، لا يخلو من الألم الذي يظهر في معاناة الأفارقة في حي "جوانزو،" من النظرة الممزوجة بالاستعلاء والعنصرية من الصينيين. كما في المشهد الذي جمع أسرة "كاي"، في منزل الأخير، لتناول العشاء، وظهر فيه والداه وهما يستعرضان صورة على هاتف محمول، تُشبه الأفارقة بالقرود.

رمزية طاغية

كتب ناقد فرنسي، يبدو أن "سيساكو يرفض الكشف عن جانب العنصرية في تجربة المغتربين الأفارقة في الصين، وحتى حين تناولها في أحد المشاهد، جاءت كفكرة متأخرة في سياق العمل، دون معالجة عميقة". تثير قصة الحب التي نشأت سريعًا بين آيا وكاي العديد من التساؤلات حول البناء الدرامي، فيما عالجها سيساكو من خلال ثقافة الشاي، التي وظفها كسياق، تكونت فيه مشاعر الحب بين آيا وكاي، وهي رمزية لتدرج المشاعر ونموها، وصولًا إلى التأجج كغليان الشاي، الذي يخرج منه مشروب شهي المذاق كالحب. لكن تلك الرمزية من جانب آخر لم تستطع معالجة العلاقة بين البطلين دراميًا، حيث خلت من المشاعر الجياشة، وقُدمت بأسلوب متحفظ، لا يناسب فتاة هربت من زاوجها في بلد أفريقي، ورحلت إلى عالم غريب كان عليها استكشافه، وخوض تحديات التعرف عليه، قبل أنّ تجد الحب، والذي لا يناسبه رمزية فنجان الشاي.

طوع سيساكو الصورة لتقول ما لم يُصرح به النصّ، فظهرت "آيا" وهي تشم أوراق الشاي المجففة، ويعلمها "كاي" كيفية استخدام إبريق الشاي دون أن تتضرر من حرارته، في مشهد يشبه رقصة جسدية للاحتفال بتقليد تقديم الشاي. لكن في سرد مفكك، عاجز عن التفسير والتصريح، في بعض الأحيان، وذلك ربما لأن العلاقة بين كاي وآيا ليست سوى قوسا ساحرا لا ينبغي أن يستمر.

رغم الجوانب الجمالية، يعاني السيناريو من بعض الثغرات، فعلى سبيل المثال، عندما يقارن كاي تأثير الشاي الأسود بتأثير آيا عليه، يبدو ذلك مبالغًا فيه ومتوقعًا. كما أن أداء الممثلين يفتقر للإتقان في العديد من المشاهد، خاصة عندما تتحدث الممثلة الرئيسية باللغة الفرنسية، رغم قدرتها على استخدام ثلاث لغات مختلفة، وذلك ما جعل العديد من النقاد غير مقتنعين بالعمل.

كما استخدم سيساكو تقنيات تصوير مبتكرة لنقل مشاعر الشخصيات، وأبعاد القصة، وساهمت الزوايا الواسعة واللقطات القريبة في تسليط الضوء على الانفعالات الداخلية للشخصيات، بينما خلقت الألوان المتباينة جوًا من التوتر الدرامي. وتعمقت الرمزية من خلال التكرار البصري، مثل مشاهد الشاي المتكررة، التي رمزت إلى العلاقة بين كاي وآنا.

حاز "شاي أسود" على تقييم 5.2 من عشر نقاط على موقع"IMDB"، بعدد مصوتين لم يتجاوز 259 شخصًا، وهو فيلم حميمي ذو إيقاع بطيء، يعكس العادات والتقاليد الصينية بشكل شاعري. ويزخر بالاستعارات التي تميز عالم المخرج عبد الرحمن سيساكو، الذي خيب الآمال بسبب القصة المفككة المفتقدة لبناء درامي مُبرر، إلى جانب الأداء الباهت للمشاركين في العمل. كل ذلك جعل المشاهد تائهًا، ولم يحصل على إجابات واضحة عن مصائر الشخصيات، التي توجد بين دول عدّة، منها: كوت ديفوار والصين والرأس الأخضر. وأيضًا بدا مشهد البطل "كاي" وهو يبحث عن ابنة أنجبها من امرأة من السكان المحليين في دولة الرأس الأخضر غامضًا، وكأنّ العمل يقول "للصين أبناء في كل أنحاء أفريقيا".

الصين: معالجة باهتة

كان من المتوقع أنّ يعالج سيساكو قضية الحضور الصيني المتزايد في أفريقيا، بشكل يخدم الحبكة الأصلية في القصة، بما توفر له من دعم دولي في الإنتاج، وحرية كبيرة من خلال تصوير العمل في تايوان، الجمهورية المستقلة عن الصين، وغير المُعترف بها دوليًا. لكنه لم يفعل، لتصبح هذه واحدة من الانتقادات التي وُجهت له من الصحافة الفرنسية.

نشرت صحيفة فرنسية ما يلي: "يعتمد المخرج سيساكو في فيلمه نهجًا مُغايرًا لعرض العلاقة بين الصين وأفريقيا، مُتجنبًا تصويرها من خلال عدسة الرفض أو العنصرية أو الصراعات، وذلك لسبب وجيه، وهي أنّها لا تمثل استثناءً خاصًا. وبالتالي، يرفض ربط هذه المشكلات بسياق ثقافي أو جغرافي مُحدّد، فهو لا يُحمّل مجتمعًا أو دولةً بعينها مسؤولية هذه الظواهر، بل يُقدّمها كمشكلات عالمية تتطلب حلولًا شاملة".