تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

سياسة

ماذا على صوماليلاند تعلمه من تجربة الموانئ الجيبوتية مع إثيوبيا؟

14 مارس, 2024
الصورة
berbera
A general view of Berbera Port and Bebera city on August 31, 2021. Dubai-based port operator DP World and the Government of Somaliland, opened a container terminal at Berbera Port in June 2021. (Photo by Ed RAM / AFP) (Photo by ED RAM/AFP via Getty Images
Share

واجهت إثيوبيا تحديات كبيرة نتيجة لوضعها الجغرافي كدولة حبيسة حين فقدت موانئ إريتريا بعد حرب استقلال الأخيرة (1961-1991). فضلت إثيوبيا استبدال تلك الموانئ بنظيرتها في دولة جيبوتي، وفي عام 1998 قرر رئيس الوزراء الإثيوبي السابق، ميليس زيناوي، التحول نحو الموانئ الجيبوتية لتكون المنافذ البحرية الحصرية لحركة الواردات والصادرات الإثيوبية.

أسهم ذلك في انتعاش الاقتصاد في جيبوتي، وقامت الأخيرة بالاستثمار في الموانئ وصناعة الشحن البحري والبنية التحتية، خصوصًا الطرق التي تربط بين البلدين، وتستخدمها الشاحنات لنقل البضائع من الموانئ من وإلى الداخل الإثيوبي.

لكن هل استفاد الاقتصاد الجيبوتي من ذلك بقدر استفادة إثيوبيا؟ 

 

غضب جيبوتي 

تقول جيبوتي إنّها منحت تسهيلات واسعة لإثيوبيا في استخدام الموانئ مقابل أسعار تفضيلية، إلا أنّ الأخيرة عادت للحديث مرة جديدة عن حلم امتلاك منطقة ساحلية. في سياق ذلك جاءت مذكرة التفاهم التي وقعتها مع صوماليلاند، الإقليم المستقل من طرف واحد عن الصومال.

وأثارت تلك المذكرة اضطرابات وخلافات سياسية حادة بين الصومال وإثيوبيا، اللتين تقعان في منطقة تعيش على الكثير من الصراعات "المجمدة" ذات الطابع الأمني والحدودي. 

وتسعى إثيوبيا إلى عقد شراكة مع صوماليلاند في ظل وجود شراكة إستراتيجية ومتجذرة مع جيبوتي في مجال الموانئ. بفضل هذه الشراكة شهد اقتصاد البلدين نموًا ملحوظًا يقوم على الاعتماد المتبادل مما أدى إلى تشابك المصالح إلى حد كبير، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل كذلك على الصعيدين السياسي والاجتماعي في منطقة مُنيت بالصراعات والحروب.

لكن رغم ما تقدمه موانئها من تسهيلات مهمة للتجارة مع إثيوبيا ترى جيبوتي أن الطرف الإثيوبي لا يعترف بذلك، مما يؤدي إلى تشويه الصورة عن هذه الشراكة، وتنامي الاستياء لدى الجانب الجيبوتي. ظهر ذلك من خلال تصريحات وزير الاقتصاد الجيبوتي إلياس موسى دواله وغيره من المسؤولين. ولعل مذكرة التفاهم المذكورة أعلاه هي القطرة التي أفاضت الكأس بين الشريكين الاقتصاديين.

وفي العام الماضي استقبلت موانئ جيبوتي 119 باخرة محملة بالواردات الإثيوبية، بحجم يقدر بنحو أربعة ملايين طن من السلع والمنتجات. ورغم ذلك تمثّل الحصة السوقية لشركات النقل الجيبوتية في نقل تلك التجارة بنحو 1.7%. 

وأثر ذلك سلبًا على خطط مواجهة البطالة في جيبوتي، التي استثمرت كثيرًا في شبكة الطرق التي تربط الموانئ مع إثيوبيا. ذكر تقرير نشره الاتحاد الأوروبي في 2012، أنّ الاستثمار الذي وفره الاتحاد لإنجاز الطريق الوطنية رقم (1) لم يُساهم في خلق مواطن شغل في جيبوتي، باعتبار أن أكثر من 98.3% من الشاحنات التي تنقل البضائع هي شاحنات إثيوبية، وكذلك الحال بالنسبة للسائقين.

وتحتكر شركات النقل الإثيوبية الحصة الأكبر من نقل حركة التجارة الإثيوبية التي تمرّ عبر موانئ جيبوتي، بالمخالفة لاتفاقية اللجنة المشتركة الجيبوتية-الإثيوبية التي تنصّ على منح شركات النقل الجيبوتية 30%. حيث تسيطر شركة النقل "Ethiopian Shipping and Logistics" المملوكة للحكومة على عبور البضائع الدولية بين موانئ جيبوتي والسوق الإثيوبي المحلي. 

وأدى الاحتكار الحكومي الإثيوبي إلى حرمان الشركات الخاصة ورؤوس الأموال الجيبوتية من الاستثمار في قطاع النقل البري مع إثيوبيا.

علاوةً على ما سبق، تتأثر البنية التحتية للطرقات في جيبوتي بسبب عدم الالتزام بمعايير الحمولة المرجعية من قبل الشركات الإثيوبية، وتتحمل جيبوتي تكلفة سنوية تقدر بنحو ثمانية ملايين دولار لصيانة الطرق الوطنية التي تستخدمها الشاحنات الإثيوبية، فضلًا عن التكلفة المادية والصحية للتلوث الناتج عن تقادم وغياب الصيانة الدورية لتلك الشاحنات.

 

مزايا لإثيوبيا

لا تقتصر الفوائد الإثيوبية على استخدام الموانئ الجيبوتية بأسعار تفضيلية فقط، بل تستفيد الشركات الإثيوبية من الاستقرار المالي في جيبوتي. ولم ترفع هيئة الموانئ الجيبوتية سعر خدماتها للعملاء الإثيوبيين منذ العام 2002، على الرغم من ارتفاع أسعار خدمات النقل والشحن البحري عالميًا لعدّة مرات.

في تصريحات سابقة لرئيس هيئة الموانئ الجيبوتية، أبو بكر عمر حدي، ذكر أنّ تكلفة العبور المرجعية العالمية في المتوسط 2.5% من سعر مجموع كل من التكلفة والتأمين والشحن، وأخذًا في الاعتبار زيادة أسعار الشحن البحري وتكاليف التأمين، فإن قيمة المناولة في موانئ جيبوتي تمثل الآن أقل من 1٪ مقارنةً بالمتوسط العالمي.

وقال لمجلة "أفريقيا" أنّنا "بعيدون عن أن نكون باهظي الثمن". لافتًا إلى أنّ شركات النقل الإثيوبية لديها مهلة ثمانية أيام لنقل الحاويات من الموانئ مقابل 60 دولار للحاوية ذات سعة 20 قدم، في حين أن نظيراتها الجيبوتية ملزمة بمهلة ثلاثة أيام وبمقابل مادي 110 دولار لنفس الحاوية.

فضلًا عن ذلك، سهلت جيبوتي إجراءات تأسيس الشركات للجانب الإثيوبي، سواء داخل المناطق الحرة وخارجها، كما أن لدى شركات النقل الأثيوبية مكاتب تمثيل، وتتمتع بتسهيلات عديدة على غرار تبسيط إجراءات التأسيس والحساب البنكي وغيرها. 

وتساهم جيبوتي في ضمان الأمن الغذائي الإثيوبي، حيث تمنح الموانئ الأولوية للإفراج عن الأسمدة الزراعية.  وتستفيد الشركات الإثيوبية التي تمارس نشاطها من جيبوتي من توفر العملة الصعبة، واستقرار سعر صرف الفرنك الجيبوتي في ظل الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد الإثيوبي. 

وتواجه إثيوبيا تحديات اقتصادية عميقة ناتجة عن نقص العملة الأجنبية، نتيجة العجز التجاري والديون ونظام إدارة العملات الأجنبية الضعيف، فضلًا عن الاضطرابات السياسية وتراجع التنمية نتيجة الصراعات المسلحة في إقليمي تيجراي وأمهرا.

وفي ظل استمرار انخفاض قيمة العملة الإثيوبية البير (Birr) مقابل الدولار الأمريكي تتفاقم أزمة احتياطي العملة الأجنبية، ويرتفع التضخم، وهو ما يضع صعوبات جمة أمام تحويل الشركات الأجنبية للأرباح، وتجد الشركات صعوبةً في تدبير الدولار للاستيراد. ولهذا تلجأ الشركات الإثيوبية إلى تأسيس مقرات في جيبوتي، لتستفيد من التسهيلات الكبيرة في الاقتراض من البنوك بالعملة الأجنبية. 

 

المعاملة ليست بالمثل

واستفادت جيبوتي من اعتماد إثيوبيا على موانئها، وأصبحت منصة دولية للنقل البحري والخدمات اللوجستية، ونتج عن ذلك ازدهار اقتصاد البلد الصغير الذي يعتمد على تجارة الخدمات البحرية بدرجة أساسية. وبفضل التجارة الخارجية الإثيوبية استثمرت جيبوتي في الموانئ والخدمات، وبعد أنّ كان في البلاد ميناء واحد، باتت خمسة موانئ وثلاث مناطق تجارة حرة.

لكن تتباين السياسة الاقتصادية بين جيبوتي وإثيوبيا؛ تنتهج الأولى سياسة ليبرالية واقتصاد السوق الحرّ، بالمقابل تعتمد إثيوبيا على سياسة حمائية، حيث تتدخل الدولة كفاعل اقتصادي في الاستثمار والأعمال وإدارة النقد.

ورغم تحقيق مكاسب متبادلة إلا أنّ التباين في السياسة الاقتصادية والأزمة الاقتصادية في إثيوبيا، يتسببان بضرر كبير لجيبوتي. وبدأت الخلافات بين الطرفين تخرج للعلن، من قبل توقيع مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وهرجيسا مطلع العام الجاري.

ومن ذلك، تزايد التصريحات الإثيوبية التي تشكو من ارتفاع تكلفة الخدمات في موانئ جيبوتي، رغم الاستثمارات التي وضعتها البلاد فيها. بدورها ردت جيبوتي بالتعبير عن الاستياء من تلك التصريحات، والقيام بنشر بيانات بتكاليف الخدمات المقدمة للتجارة الإثيوبية، والتي يظهر خلالها المزايا التي تحظى بها على حساب الشركات الوطنية.

يعتبر غياب مبدأ المعاملة بالمثل للشركات الجيبوتية في إثيوبيا من أهم المعوقات أمام الاستثمار الجيبوتي. ومن الصعب أن تفتح الشركات الجيبوتية مكاتب تمثيل في أديس أبابا، بسبب الإجراءات المعقدة والاشتراطات التي تلزم الشركات بإيداع 150 ألف دولار في بنك إثيوبي، حسب حديث أجرته منصة "جيسكا" مع عدد من رجال الأعمال العاملين في مجال النقل البري.

بالإضافة إلى ذلك، تستفيد الشركات الإثيوبية من المزايا التفضيلية الحكومية مثل انخفاض أسعار المحروقات، ودعم شركات النقل البري من خلال القروض المُيسرة، والأسعار المخفضة التي تقدمها شركات النقل بدعم من الموازنة العامة للحكومة، بينما لا تحظى الشركات الجيبوتية بمثل ذلك، في ظل السياسات الاقتصادية الليبرالية.

في السياق نفسه، تقدر ديون إثيوبيا للجانب الجيبوتي بنحو 50 مليون دولار، منها 30 مليون دولار لهيئة الموانئ الجيبوتية، و20 مليون دولار للشركات الخاصة. كما تجد الشركات الجيبوتية صعوبة كبيرة في استبدال المدفوعات الإثيوبية بالبير الإثيوبي، في ظل أزمة النقد الأجنبي في إثيوبيا. 

 

هل تنافس صوماليلاند جيبوتي؟

التقت "جيكسا" بعدد من أصحاب الشركات الجيبوتية، وذكروا أنّ العديد من الشركات أفلست بسبب عدم القدرة على تحصيل الديون المستحقة على الشركات الإثيوبية. لافتين إلى أنّ العديد من الشركات الإثيوبية تبدل تسجيلها الرسمي للتهرب من تسديد الديون، وفق قولهم.

بدورها تتحمل حكومة جيبوتي المسؤولية عن العديد من المعوقات التي تواجه مجتمع الأعمال الوطني والاستثمارات الخارجية في إثيوبيا، فالمنوط بالحكومة اتخاذ إجراءات لحماية الاقتصاد الوطني في المقام الأول، وذلك لا يتعارض مع سياسة السوق الحرّ، خصوصًا حماية الحقوق المالية للشركات التي تتعامل مع نظيراتها في إثيوبيا.

من جانب آخر، أثارت مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع صوماليلاند مخاوف من تأثر الاقتصاد الجيبوتي على المدى المتوسط، هذا في حال وجدت المذكرة طريقها إلى أرض الواقع. 

ووفق حديث منصة "جيسكا" مع عدد من الساسة والفاعلين الاقتصاديين في جيبوتي، لا يرى هؤلاء منافسة من أية موانئ في صوماليلاند؛ نظراً لما تتمتع به موانئ جيبوتي من بنية تحتية ومزايا جغرافية ونظام اقتصادي ومصرفي مرتبط بالنظام المالي الدولي.

تستحوذ حركة التجارة الخارجية لإثيوبيا على حصة 75% من البضائع التي تمرّ عبر موانئ جيبوتي، مقارنة بـ 17% للتجارة الوطنية. وتستحوذ التجارة الدولية في موانئ جيبوتي على حصة 8%، من خلال عمليات إعادة الشحن والتوزيع في دول المنطقة والقارة الأفريقية.