تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 7 نوفمبر 2024

سياسة

أفريقيا.. هل تقود الثورة الحضرية نحو إقلاع اقتصادي؟

3 نوفمبر, 2024
الصورة
Libya
فرسان ليبيون يرتدون الزي القبلي يركبون وسط دراجات نارية متوقفة عند وصولهم للمشاركة في افتتاح مدينة رياضية تم تجديدها في مدينة درنة الساحلية شرق ليبيا في 15 أكتوبر 2024. (تصوير عبد الله دومة / وكالة الصحافة الفرنسية عبر غيتي إيماجز)
Share

"التاريخ والخبرة يفيدان بأن التوسع الحضري والتصنيع يسيران جنبا إلى جنب، ولكن التحدي الذي تواجهه أفريقيا الآن هو أنهما لا يسيران جنبا إلى جنب. وبالفعل، من المتوقع أن يعيش نصف سكان أفريقيا في الحضر بحلول عام 2035. لذلك، فمن المهم جدا أن ننظر إلى هذا التحول العميق وآثاره على الأهداف التي حددتها إفريقيا من حيث التحول الهيكلي".

كان هذا مقتطفا من التقرير الاقتصادي لأفريقيا عام 2017، الذي اعتبر أفريقيا ثاني أسرع المناطق نموا بعد آسيا، فأغلب سكان القارة سيعيشون في المناطق الحضرية في غضون عشرين عاما. بذلك يكون التوسع الحضري محددا جوهريا في مستقبل القارة، ينبغي على بلدان القارة الاستفادة منه لدفع عجلة التنمية بالربط الوطيد بين النمو الحضري والنمو الاقتصادي.

بعد خمس سنوات على تقرير اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، تعود وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة للإيكونوميست، بتقرير جديد عام 2023 بعنوان "مدن أفريقيا 2035: التوسع الحضري والنمو الاقتصادي"، يكشف عن اتجاهات التنمية الحضرية بالمدن الإفريقية، وتأثيرها في النمو الاقتصادي للدول، مؤكدا أن هذا النمو الحضري بمقدوره المساهمة في تقليص الفوارق الاقتصادية بين المدن القارة.

هوة كبيرة كشفت عنها بيانات البنك الدولي لعام 2024، فوفقا لها تساهم اقتصاديات 5 دول؛ جنوب أفريقيا ونيجريا ومصر والجزائر وإثيوبيا، ب1,4 تريليون دولار أمريكي، أي بنصف الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا، فيما تتقاسم بقية الدول (48 دولة) النصف الآخر، ما يثبت فعليا حجم الانقسام الاقتصادي العميق في القارة.

أفريقيا سائرة نحو التحضر 

التحضر ظاهرة عالمية تشهدها مختلف الدول بوتيرة مختلفة، وسجل العالم، عام 2007، لأول مرة في التاريخ، تجاوز إجمالي سكان المدن لسكان القرى والأرياف، بعدما كان ساكن واحد فقط من كل عشرة يعيش في المدنية عام 1900. يعيش حاليا، وفق تقرير أممي، نحو 55 ٪ من سكان العالم في المناطق الحضرية، مع توقعات ببلوغ النسبة 68 ٪ بحلول عام 2050. تعدد العوامل التي ساهمت في هذا التغيير، من قبيل الهجرة الداخلية وتحول تجمعات الأرياف إلى مراكز شبه حضرية...

قاريا، شهدت أفريقيا عملية التحضر في مراحل متأخرة، فقد ظلت حتى وقت قريب القارة الأكثر ريفية، فمعدل التحضر كان في حدود 14,5٪ أواسط القرن الماضي، ثم انتقل إلى 25,7 ٪ عام 1975، وبلغ بحلول عام 2007 نسبة 38,7 ٪. مع تفاوتات كبيرة في التوزيع، حيث تتعدى نسبة التحضر 50 ٪ في جنوب ووسط وشمال القارة، وتنخفض إلى ما دون ذلك في غرب القارة (44 ٪) وشرقها (21 ٪).

عودا إلى تقرير "مدن أفريقيا 2035" الذي يمثل أحدث دراسة عن الموضوع، نجده يتحدث عن أن القارة الأفريقية ستحافظ على أسرع معدل تحضر بين المناطق الرئيسية في العالم حتى عام 2035، وسيرتفع إجمالي سكان المناطق الحضرية فيها، من نحو 650 مليون نسمة عام 2023 إلى نحو مليار نسمة عام 2035. مناطقيا، يتوقع أن تصبح المنطقتين الأكثر تحضرا في العالم، فالتقديرات تفيد بأن شرق أفريقيا سيشهد أسرع نمو سكاني في المناطق الحضرية، تعقبه منطقتي وسط إفريقيا وغرب إفريقيا. 

يتوقع أن تعرف المدن الأفريقية الكبرى بحلول عام 2035 نموا سكانيا ملحوظا، حيث سيتجاوز سكان 6 مدن في القارة، على الأقل، 10 ملايين نسمة، وهي: القاهرة وكينشاسا ولاجوس وجوهانسبورغ ولواندا ودار السلام، ما يجعلها أكبر الاقتصاديات الحضرية بأفريقيا. وستضم القارة أيضا 17 مدينة بساكنة تتعدى 5 ملايين نسمة، وسيتجاوز تعداد 100 مدينة في القارة مليون نسمة.

هذا، وأظهرت دراسة أن 6 من المدن الكبرى في العالم ستكون في أفريقيا بحلول عام 2030. ويتوقع أن تكون العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الأسرع نموا في المدن الأفريقية؛ بتسجيل معدل سنوي متوسط يبلغ 10,6 ٪، تليه كامبلا (أوغندا) ودار السلام (تنزانيا) وأبيدجان (ساحل العاج) بأكثر من 9 ٪ أو أقل قليلا. 

عوائد اقتصادية وتداعيات اجتماعية

سيقيم أكثر من 1/2 من سكان القارة في المدن والبلدات، بحلول عام 2035، ما يعني مزيدا من المناطق الحضرية باتجاه السكان نحو المدن بحثا عن فرص للشغل وخدمات اجتماعية أفضل. يؤدي هذا التحضر السريع إلى نمو اقتصادي سريع؛ فالمدن هي المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في أفريقيا.

وحسب موقع "بيزنس إنسايدر"، واستنادا لمعطيات التقرير، ستضم أكبر 100 مدينة اقتصادية في أفريقيا نحو 400 مليون شخص؛ أي حوالي 21 % من سكان القارة. وستواصل مدن كبرى مثل القاهرة ولاغوس وجوهانسبرغ... صدارة أقوى الاقتصاديات الحضرية في القارة، ما سيولد تجمعات السكانية الضخمة أكثر من 60 % من الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا.

لكن المخاوف تتزايد مما قد يرافق هذا النمو من تداعيات، فتقديرات برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية تفيد بأن 1/2 من سكان مدن القارة، ما يمثل 400 مليون نسمة، يقطنون حاليا في أحياء فقيرة بضواحي المدن الأفريقية الكبرى، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 1,3 مليار نسمة بحلول منتصف القرن الحالي، ما يمثل زيادة بأكثر من الضعف في غضون ربع قرن المقبل.

كما تحذر التقارير أيضا من تنامي ظاهرة المدن الوسيطة، فالأرقام تشير إلى احتضانها لحوالي 15 ٪ من سكان القارة، مع توقعات ببلوغ النسبة 2/3 من سكان أفريقيا بمتم عام 2040. وسبق للمسؤولين الأفارقة التحذير من خطر تنامي هذه المدن في تقرير للبنك الأفريقي للتنمية بعنوان "ديناميكيات المدن الثانوية في أفريقيا: التوسع الحضري والهجرة والتنمية" (2022)، تحدث عن أنها "تمثل العمود الفقري للقارة، فهي تستوعي معظم النمو الحضري. ومع ذلك، فهي تعاني فجوة استثمارية كبيرة، ولديها موارد قليلة جدا".

لذلك ينبغي، كما جاء على لسان باباتي موكيتي، المسؤول عن التنمية الحضرية في البنك الأفريقي للتنمية، "إن النزوح الريفي نحو العواصم الوطنية المتضخمة يولد تحديات هائلة. ومن الضروري إعادة توجيه جزء من هذه التدفقات إلى المدن الوسيطة، من أجل تقليل الضغط على العواصم"، داعيا إلى تبني سياسات حضرية تقوم على "الاستثمار في المدن المتوسطة الحجم، نقوم بإنشاء شبكة إقليمية تعزز التكامل بين المدن الكبرى والريف".

من شأن التوسع الحضري السريع في مختلف أنحاء أفريقيا، التأثير بشكل سلبي على الأراضي، فنمو المدن في القارة يكون على حساب المكان، فالقاهرة على سبيل المثال تمددت على مساحة تفوق 149 ألف هكتار؛ 46 كلم من الشمال إلى الجنوب و35 من الشرق نحو الغرب. كذا ومثال بالنسبة للمدن الكبرى في القارة، مثل: كينشاسا (996 ألف هكتار) وأكرا (173 ألف هكتار) وكامبلا (189 ألف هكتار).

 لكنه في المقابل يخلق أسواقا استهلاكيا أكثر ديناميكية وثراء، ومراكز تجارية أكثر تطورا، وقواعد أكبر للإنتاج الصناعي، فضلا عن يحفز عمليات الاستيراد والتصدير. ما جعل بات ثاكر، أحد المساهمين في تقرير المدن، إلى التأكيد: "إن ظهور المدن الكبرى والتجمعات الحضرية الجديدة، والتوسع السريع لتجمعات المدن، والأهمية المتزايدة للمدن الكبرى سوف تكون سمة رئيسية للمستقبل الديموغرافي والاقتصادي في أفريقيا". 

يفرض النمو المتسارع؛ حضريا واقتصاديا زيادة الطلب على الخدمات والبنيات التحتية؛ من سكن وتعليم وصحة وماء وكهرباء ونظافة وشغل وترفيه، خصوصا أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن غالبة السكان سيكونون من الشباب؛ حيث يمثلون حوالي 70 ٪ من إجمالي السكان، ما يعني رفع سقف الطموحات والتطلعات، فسبل عيش الآباء في الماضي غير مطالب وحاجيات الأبناء في المستقبل.

تلقي هذه التوقعات بمسؤولية أكبر على الحكومات الإفريقية، فالأرقام والمؤشرات تستوجب وضع خطط وبرامج حكومية، باختصار سياسيات حضرية تناسب النمو الديمغرافي والتوسع الحضري، استعدادا لارتفاع الطلب على الإسكان والتعليم وبقية الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ونظافة... إن هي رغبت في استثمار التحول الديمغرافي محركا في النمو الاقتصادي لإقلاع إفريقيا.