تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 18 سبتمبر 2024

سياسة

الحدود الصومالية الإيثوبية: خلافات تاريخية غير محسومة

1 أغسطس, 2024
الصورة
24334
(تصوير -/LEHTIKUVA/AFP عبر Getty Images)
Share

أثارت الخلافات حول الحدود بين الصومال وإثيوبيا العديد من النزاعات والصراعات المسلحة، منذ حقبة الاستعمار الغربي للقرن الأفريقي، مع الحروب الإيطالية الحبشية، وبعد الاستقلال في مناوشات عام 1964، وحرب أوغادين عام 1977، وصولًا إلى الحاضر الذي يحمل مخاطر تجدد تلك النزاعات المسلحة، في ظل أزمة مذكرة التفاهم الموقعة بين صوماليلاند وإثيوبيا، والتي يراها الصومال انتهاكًا لسيادته.

تستند تلك الخلافات إلى تصورات ماضوية للطرفين، حيث يعتقد الإثيوبيون بأحقيتهم في معظم الأراضي الصومالية، التي يرونها أرضًا استقطعها المستعمر الأوروبي منهم. فيما يعتقد الصوماليون أنّ المستعمر قسم أراضيهم التاريخية، ومنح إثيوبيا جزءًا منها، وهو إقليم أوغادين المعروف باسم الإقليم الصومالي الغربي.

جذور الأزمة

ظهرت قضية الحدود مع وجود الاستعمار الغربي في منطقة القرن الأفريقي، وذلك حين بدأت القوى الاستعمارية في ترسيم الحدود بين مستعمراتها، من خلال معاهدات باتت لاحقًا هي الأساس القانوني لقضايا الحدود بين دول القارة ككل. شهد العام 1897 توقيع اتفاقية فرنسية إثيوبية، بموجبها رُسمت الحدود بين الصومال الفرنسي (جيبوتي) وإثيوبيا. كما وقعت بريطانيا اتفاقية لترسيم الحدود بين محمية صوماليلاند (الصومال البريطاني) وإثيوبيا في العام نفسه. وقبل ذلك، في عام 1888 وقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقية ترسيم الحدود بين جيبوتي وصوماليلاند.

مقابل ذلك، اتخذت قضية ترسيم الحدود بين الصومال الإيطالي وإثيوبيا مسارًا وعرًا، بسبب التوتر والصراع الذي وسم العلاقات بين المستعمر الإيطالي وإثيوبيا، فقد سعى الأول لبسط نفوذه على الثانية، من خلال المعاهدات؛ على غرار معاهدة "أوتشيالي" لعام 1888، والتي عرفت تفسيرين متناقضين؛ أحدهما إيطالي حولها إلى تفويض شامل من إثيوبيا لإدارة علاقاتها الدولية، والأخر إثيوبي رآها تفويضًا مشروطًا لإيطاليا لمساعدة إثيوبيا في علاقاتها الخارجية. على نفس المنوال، ستعرف الاتفاقيات والمعاهدات بين الطرفين التفسير المزدوج، وهو السبب الأساسي في إخفاق جميع محاولات ترسيم الحدود بين الصومال الإيطالي وإثيوبيا.

بعد هزيمة إيطاليا في موقعة "عدوة"، وإخفاق غزوها لإثيوبيا، وقعت معاهدة السلام والصداقة مع إثيوبيا في أديس أبابا عام 1896، وتضمنت بنود حول التفاوض بين الطرفين لترسيم الحدود بين مستعمرات إيطاليا في الصومال وإثيوبيا. سنة بعد ذلك، أرسلت الحكومة الإيطالية إلى أديس أبابا الرائد نيرازيني "Nerazzini"، لمناقشة قضية الحدود. كان هذا اللقاء بالغ الأهمية بالنسبة للرواية الإثيوبية حول حقها في مساحة واسعة من أراضي دولة الصومال الفيدرالية، حيث تذهب إلى أنّ الإمبراطور منليك الثاني رسم خطًا على الخريطة، للإشارة إلى الحدود المقبولة لإثيوبيا.

تضيف الرواية، بأنّ الإمبراطور قدم النسخة الوحيدة للرائد نيرازيني ليحملها إلى الحكومة الإيطالية، ثم تلقت إثيوبيا برقية بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول 1879 من حكومة إيطاليا، تبلغها بالموافقة على الخطّ المقترح. ومع ذلك، لم يتم تبادل النصوص الرسمية لترسيم الحدود، وعادت الخلافات بين الطرفين.

ينطلق الخط المزعوم للإمبراطور منليك الثاني، من خط عرض 8° شمالاً، وخط طول 48° شرقاً، في حين كانت الحدود التي تطالب بها إيطاليا تصل إلى نقطة ثلاثية مع أرض الصومال البريطانية في الداخل، عند خط عرض 8° شمالاً، وخط طول 47° شرقاً. يعني ذلك، بحسب تقديرات، أنّ إثيوبيا ترى لها أحقية في مساحة تبلغ 47 ألف كلم مربع من الأراضي الصومالية، وفق الحدود المؤقتة القائمة بين البلدين، وهي تعادل ضعف مساحة دولة جيبوتي.

https://www.geeska.com/sites/default/files/inline-images/image_55.png

(خريطة غير رسمية مصدرها دراسة الباحث الإثيوبي مسفين ميريام لتوضيح الخلافات حول خط الحدود)

مفاوضات غير مجدية

تستعرض دراسة صادرة عن مكتب الجغرافيا التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، الخلافات الحدودية بين البلدين، وجاء فيها تعليقًا على خطّ منليك الثاني المزعوم: "سرعان ما اتضح أن إثيوبيا وإيطاليا استخدمتا مرجعيات مختلفة في تحديد الحدود، وأن منطقة مثلثية كبيرة تمتد باتجاه الشمال الشرقي، كانت محل تساؤل بشأن سيادتها".

حين رسمت بريطانيا حدود مستعمراتها في كينيا مع إثيوبيا، عام 1907، منحت مستعمرات إيطاليا في الصومال امتدادًا إلى منطقة ديلو، وأعقبها في عام 1908 اتفاقية جديدة بين إثيوبيا وإيطاليا لترسيم الحدود، انطلاقًا من منطقة ديلو (Dolo). لكن تلك الاتفاقية التي لم تُصغ بطريقة قانونية وجغرافية صحيحة، صارت محل خلاف، حيث اعتمدت في ترسيم الحدود على مواقع القبائل، لا خطوط الطول والعرض، ووفق الاتفاقية الإيطالية الإنجليزية، امتدت حدود الصومال لتعبر نهر جوبا إلى نقطة الحدود الكينية الإثيوبية، عند ديلو ."Dolo"

عندما وقعت الحرب الإيطالية الإثيوبية (1935 – 1936) ضمت إيطاليا إقليم أوغادين والمناطق العليا من أحواض نهري جوبا وشبيلى إلى مستعمرة الصومال الإيطالية، وباندلاع الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) سيطرت إيطاليا على صوماليلاند (الصومال البريطاني). من جانبها، تمكنت بريطانيا عام 1941 من هزيمة إيطاليا، واستعادت مستعمراتها في صوماليلاند، وسيطرت على مستعمرات إيطاليا في الصومال الجنوبي وأوغادين ومناطق في إثيوبيا.

انسحب البريطانيون من الجزء الأكبر من أوغادين في عام 1948، ونص البروتوكول الإنجليزي الإثيوبي لعام 1948 على حدود مؤقتة؛ "باعتبارها لا تمس الحدود الدولية بين إثيوبيا وأرض الصومال الإيطالية السابقة". أجرت المملكة المتحدة تعديلاً طفيفاً من جانب واحد على الحدود المؤقتة لعام 1948، قبل انسحابها من الصومال الإيطالي عام 1950. وفي ذلك الوقت، أصبحت المنطقة تحت وصاية الأمم المتحدة، وتولت إيطاليا الوصاية عليها. وأعربت كل من إثيوبيا وإيطاليا عن تحفظات بشأن محاذاة الخط الإداري المؤقت قبل تنفيذه، وفي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، نصت اتفاقية إنجليزية إثيوبية على انسحاب السلطة البريطانية من هود، لكنها أكدت على حق الصوماليين المحميين من قبل بريطانيا (صوماليلاند) في الرعي وسقاية الماشية في المنطقة.

إلى ذلك، عادت قضية الحدود ثانيةً إلى إيطاليا، بصفتها الدولة الوصية على الصومال، بين أعوام 1950 إلى 1960، وخلال تلك الفترة خاضت مفاوضات مع إثيوبيا لتسوية قضية الحدود، انتهت بالإخفاق في 1957. رفضت الحكومة الإيطالية تسوية إثيوبية بشأن الخط الإداري المؤقت، كما أخفقت مفاوضات رعتها الأمم المتحدة، بتسهيل من ملك النرويج، في عام 1958، في حل الخلافات. ديسمبر/ كانون الأول 1959، اتفق ممثلو إيطاليا وإثيوبيا على أن يظل الخط الإداري المؤقت بين الصومال وإثيوبيا ساري المفعول، حتى يتم التوصل إلى تسوية نهائية.

ما بعد الاستقلال

جدير بالذكر أنّ وثيقة أعدتها المخابرات المركزية الأمريكية، تعود إلى عام 1948، أُتيحت للجمهور عام 1999، تناولت الخلافات الحدودية بين الصومال الإيطالي وإثيوبيا، وفق العرض السابق. وأشارت إلى أنّ الادعاء الإثيوبي حول قبول إيطاليا بالخطّ الذي رسمه الإمبراطور منليك لا أساس قانوني له، كون القبول لم يُترجم إلى وثائق متبادلة، ولم يتعد كونه تصريحات إيطالية لها تفسير مخالف لما يظنه الإثيوبيون، وهو نفس الخلاف الذي ظهر في اتفاقية 1908 بين الطرفين.

حصل الصومال على الاستقلال في الأول من يوليو/ تموز عام 1960، وامتنع عن الاعتراف بالحدود البريطانية الإثيوبية المرسومة عام 1897، واعترف بحكم الأمر الواقع فقط بكل الحدود مع إثيوبيا، وفق الخطّ الحدودي المؤقت، بهذا بقيت قضية الحدود عالقة بين الطرفين. لكنها أخذت منحى جديدًا، مع ظهور حلم الصومال الكبير، الطامح إلى ضم الإقليم الصومالي الغربي الذي يقع ضمن دولة إثيوبيا.

عارض الصومال إعلان القاهرة عام 1964، الصادر عن منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الأفريقي لاحقًا)، الذي نصّ على الحفاظ على الحدود الموروثة من عهد الاستعمار، ووقعت صدامات محدودة بين الصومال وإثيوبيا، تم احتوائها بوساطة من المنظمة، لكنها أخفقت في التوصل لحلّ للنزاع بين عامي 1970 - 1971.

لجأت الحكومة الاشتراكية في الصومال إلى القوة العسكرية لتسوية قضية الحدود، وذلك بغزو منطقة أوغادين عام 1977، بهدف تحقيق حلم الصومال الكبير، استنادًا إلى الرؤية الصومالية التي لا تعترف بالحدود الموروثة من عهد الاستعمار، لكن هزيمة الصومال وانسحابه أنهى المحاولة، لتبقى قضية الحدود دون حلّ. ثم دخل الصومال بعد ذلك في صراعات داخلية، وتوصلت إثيوبيا والصومال إلى اتفاق لوقف دعم المعارضة المسلحة في البلدين، ولا تزال قضية الحدود عالقة بين الطرفين، ولا يوجد ترسيم للحدود، بينما تعترف إثيوبيا بالتقسيم مع بريطانيا في صوماليلاند.