تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

سياسة

ما هي خطة صندوق النقد الدولي لإحياء الشلن الصومالي؟

23 يوليو, 2024
الصورة
(تصوير حسن علي علمي / وكالة الصحافة الفرنسية)
(تصوير حسن علي علمي / وكالة الصحافة الفرنسية)
Share

وقعت مقديشو وأنقرة اتفاقية بموجبها ستقوم الثانية بالتنقيب عن النفط والغاز في ثلاث مناطق قبالة السواحل الصومالية، وذلك في 18 يوليو/ تموز الجاري،  في إطار تطبيق الاتفاقية العامة للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين، والتي بموجبها سترسل تركيا قوات بحرية إلى المياه الصومالية لتوفير الحماية والتدريب، والمساعدة على تأسيس قوة بحرية.

سبق ذلك، توقيع العديد من اتفاقيات التنقيب عن النفط والغاز في المياه مع شركات أمريكية، ووعد وزير النفط الصومالي بحفر أول بئر استكشافي بحلول نهاية العام الجاري. لكن لا تزال إمكانيات استخراج النفط والغاز غير مؤكدة، نظرًا لقلة الدراسات والمسوح، وضعف الاستثمارات، والتحديات الكبيرة في ظل غياب البنية التحتية لقطاع النفط، وإحجام الشركات النفطية العملاقة عن استئناف نشاطها في البلاد، والافتقار إلى البنية التحتية.

احتمالات وتوقعات

تقتصر مزايدات الحكومة الفيدرالية لاستكشاف النفط والغاز على سبع مناطق "بلوكات"، تقع في المياه العميقة، في ثلاثة أحواض في وسط وجنوب البلاد، من مجمل السواحل التي تمتد إلى ثلاثة آلاف كلم تقريبًا، بمساحة قدرها 350 ألف كلم مربع. ولا توجد خطط قريبة المدى للتنقيب في المناطق البرية، لأسباب منها الصراعات القبلية، والخلافات بين الحكومة الفيدرالية والولايات، والمخاطر الأمنية التي تمثلها حركة الشباب؛ المصنفة إرهابيةً.

تقدر هيئة النفط الصومالية كميات النفط المحتملة في هذه المناطق، التي تبلغ مساحتها 40 ألف كلم مربع، بنحو 30 مليار برميل من النفط. وتمتد تلك المناطق على عمق يتراوح ما بين 30 إلى أربعة آلاف متر، تقديرات تستند إلى مسح زلزالي ثنائي الأبعاد تم إجراؤه عام 2014.

وفق المسح الذي أجرته الشركة الصومالية للنفط والغاز، تم اكتشاف ثلاثة أحواض لها خصائص جيولوجية مميزة، وهي "جوبا ديب" و"مقديشو ديب" و"ميد صوماليا هاي". تبدأ من المناطق المتنازع عليها مع كينيا جنوبًا إلى مسافة 1200 كلم شمالًا، في المياه العميقة، بحد خارجي عند عمق مائي يبلغ 3300 مترا. واستبعد المسح مناطق المياه الضحلة، حيث تمتلك شركة "بكتن"، وهي شركة تابعة لمجموعة رويال داتش شل، حقوق استكشاف قديمة، تخضع حاليًا لوضع القوة القاهرة، منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1991.

Image removed.

(خريطة المناطق السبع المحتمل وجود النفط فيها في المياه العميقة – المصدر هيئة البترول الصومالية SPA) 

تعتبر هذه الدراسة الأولى والوحيدة من نوعها في استكشاف المياه العميقة، وتوجد بيانات لدى شركة بكتن عن المياه الضحلة. إضافة إلى وجود مناطق واعدة في المناطق البرية، في ولاية بونتلاند والجمهورية المستقلة من طرف واحد، صوماليلاند.

إلى ذلك، يُوصي الباحثون بإجراء مزيد من الدراسات حول الإمكانيات المحتملة من النفط والغاز في المياه الصومالية، والتي تُقدرها دراسات أولية بنحو 110 مليار برميل من النفط، وهي تقديرات أكبر مما لدى دولة الكويت، مع اختلاف أنّ الدراسات حول الصومال لا تزال قليلة وضعيفة، حيث لم يُجر مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد، ولا تزيد عن كونها تخمينات حتى الآن.

إدارة النفط: غياب الكفاءة

بحسب هيئة البترول الصومالية، بدأت عمليات استكشاف النفط في الخمسينيات من القرن الماضي، حين كان الاعتقاد أن البلاد تمثل امتدادًا محتملًا لإقليم النفط العربي الكبير. وفي الفترة من 1950 إلى 1990، شجعت الصومال الاستثمارات الأجنبية، وامتلكت شركات النفط العالمية، بما في ذلك "إكسون موبيل" و"كونوكو فيليبس" و"بي بي" و"شل وشيفرون" و"إيني"، اتفاقيات امتياز كبيرة في البلاد. بعد انهيار الحكومة المركزية، لم يتبق سوى "رويال داتش" و"إكسون موبيل" في امتيازات تبلغ مساحتها 60 ألف كلم مربع قبالة سواحل الصومال، لكنها لم تستأنف العمل مع محافظتها على دفع مستحقات الحكومة الفيدرالية.

بعد تأسيس الحكومة الاتحادية في 2004، أقر البرلمان المؤقت قانون البترول في 2008، وبموجبه انتقلت صلاحيات الإشراف على قطاع الموارد الطبيعية المعدنية والنفطية إلى وزارة البترول والمعادن، كما وقعت الحكومة الفيدرالية والولايات في 2018 اتفاقية إدارة ملكية البترول وتقاسم العائدات. وفي 2020، أقر البرلمان الفيدرالي قانون أحدث للبترول، وبموجبه تأسست هيئة البترول الصومالية.

صاغت الهيئة اتفاقية تقاسم الإنتاج النموذجية، كنموذج لاستخدامه في اتفاقيات تقاسم الإنتاج في البلاد، وتنص على أن شركة البترول (المقاول) تحصل على حق استكشاف منطقة محددة لمدة ثلاث سنوات، مع إمكانية تمديد فترة الاستكشاف، وإذا اكتشفت النفط تقدم برنامج تطوير لبدء الإنتاج، وتحصل على امتياز لمدة 25 عامًا مع إمكانية التمديد لمدة 10 أعوام أخرى.

تسمح الاتفاقية للشركات باسترداد تكاليف التطوير والإنتاج، منذ بدء الإنتاج بعد دفع الإتاوات. لهذا الغرض، يتم تقسيم كل النفط والغاز المستخرج إلى "بترول التكلفة"؛ الذي يتم استخدام العائدات من مبيعاته لسداد التكاليف الاستثمارية للشركة، و"بترول الربح"؛ الذي يتم تقاسم العائدات من مبيعاته مع الحكومة. وتزداد حصة الصومال في إنتاج البترول تدريجيًا، بعد استرداد الشركة النفقات الرأسمالية المتكبدة.

بالإضافة إلى ذلك، يحدد نموذج اتفاقية تقاسم الإنتاج كيفية توزيع الإيرادات بين الميزانيات الفيدرالية والإقليمية والمحلية، والتي تشمل جميع الضرائب المرتبطة بإنتاج البترول، بما في ذلك مكافأة التوقيع والإتاوات ورسوم الترخيص وضريبة الدخل وضريبة التصدير وما إلى ذلك. يختلف نموذج توزيع العائدات على حسب مكان استخراج النفط، وطبيعة العائدات، فإذا كان من البحر تذهب 55٪ إلى الميزانية الفيدرالية، و25٪ إلى الميزانية الإقليمية، و10٪ إلى الميزانية المحلية للمنطقة التي يتم فيها الإنتاج، و10٪ إلى الولايات غير المنتجة للبترول، وإذا كان من مناطق برية تحصل الحكومة الفيدرالية على 30%، ومثلها للميزانية الإقليمية، و20% للميزانية المحلية، ومثلها للولايات غير المنتجة للنفط. بالإضافة إلى ذلك، حددت الاتفاقية كيفية توزيع الضرائب والإتاوات ورسوم الاستكشاف وغير ذلك.

وقعت خمس ولايات مع الحكومة الفيدرالية على الاتفاقية، ومن بينها بونتلاند التي لديها مناطق برية واعدة لاستكشاف النفط، ومع ذلك يشكك باحثون في موقف الولاية في مشاركة عائدات النفط مع الحكومة الفيدرالية والولايات الأخرى. ينبع ذلك من أنّ بونتلاند تأسست كولاية مستقلة عام 1998، قبل تأسيس الحكومة الفيدرالية، لذلك ترى نفسها منافسا لسلطة مقديشو، فيما يتعلق بالثروات الطبيعية وتوقيع اتفاقيات مع شركات دولية، وهو ما ترفضه مقديشو التي لا تعترف بأية اتفاقيات مع شركات دولية وقعتها الولاية. 

ناقشت شركة المحاماة البريطانية "Herbert Smith Freehills" الموقف القانوني لولاية بونتلاند، والإقليم المستقل من طرف واحد، صوماليلاند، تجاه استكشاف النفط، وذكرت أنّ دستور بونتلاند لا يذكر شيء عن ملكية الثروات الطبيعية. ولكن الولاية هددت بمصادرة سفن الأبحاث التي ستعمل في المياه المقابلة لها، ومن غير الواضح إذا ما تغير الموقف بعد توقيع اتفاقية ملكية ومشاركة الثروات الطبيعية.

 في حين أنّ دستور صوماليلاند ينصّ صراحةً على أنّ الإقليم جمهورية مستقلة، تمارس كامل صلاحيات الدولة، ما يعني أنّها تمنح نفسها الحق الكامل في إدارة الثروات الطبيعية، وترى نفسها غير معنية بالصومال الفيدرالية.

اتفاقيات الاستكشاف

فيما يتعلق باتفاقيات التنقيب، وقعت وزارة البترول اتفاقية في 2020 مع تحالف "شل – إكسون" لاستئناف العمل في امتياز التحالف في عدد من البلوكات في المنطقة الساحلية، وفق نموذج تقاسم العائدات الجديد. واتفقت الأطراف على خريطة طريق أولية، ورغم مرور أربعة أعوام فلم تستأنف الشركات أعمالها بعد، وربما يعود ذلك إلى عدم ثقة الشركات في مناسبة الوضع في البلاد لرفع حالة القوة القاهرة عن مناطق امتيازها بعد.

أيضًا، وقعت وزارة البترول والثروات المعدنية أول اتفاقية جديدة للتنقيب مع شركة النفط الأمريكية "كوستلاين إكسبلوريشن"، وذلك في آذار/ مارس 2022. لكن الاتفاقية التي وُقعت دون علم الرئاسة والحكومة تم إلغائها لمخالفتها للقوانين، وبعد أشهر من انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود دخلت الشركة في مفاوضات مع الحكومة، وخضعت الاتفاقية السابقة لتعديلات، قبل أنّ توافق عليها الحكومة الفيدرالية، وهو ما يكشف عن مخاطر الانقسام السياسي على الإدارة السليمة لثروات البلاد.

بعد ذلك، وقعت الحكومة الفيدرالية اتفاقية استكشاف في آذار/ مارس 2024، مع شركة "ليبرتي بتروليوم" الأمريكية، التي حصلت على امتياز ثلاث مناطق بحرية داخل منطقة المياه العميقة. أعقب ذلك، توقيع اتفاقية تعاون مع تركيا لاستكشاف وتطوير موارد النفط والغاز الطبيعي البحرية، وشملت الاتفاقية التي وُصفت بأنها بين الحكومات جوانب مختلفة، بما في ذلك استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط والغاز داخل الكتل الأرضية والبحرية في الصومال.

كما تمتد الاتفاقية إلى عمليات النقل والتوزيع والتكرير والمبيعات، وخدمة النفط والمنتجات ذات الصلة المشتقة من المشاريع البرية والبحرية، على أنّ تتولى تركيا أنشطة الاستكشاف، بما في ذلك المسوحات الزلزالية، في مناطق بحرية محددة. وفي الاتفاقية الأخيرة التي وقعها وزير البترول والمعادن الصومالي مع نظيره التركي، في شهر يوليو/ تموز الجاري، مُنحت تركيا امتياز التنقيب عن النفط في ثلاث مناطق، تقع على الجانب البحري في منطقة مدج التابعة لولاية غلمدغ، وهي أحد الأحواض الثلاثة في المياه العميقة المحتمل وجود النفط فيها، وتقع بين "حرر طيري" و"هوبيو" على مساحة خمسة آلاف كلم مربع.

أعلنت تركيا بدورها أنّ سفينة "الريس عروج" للأبحاث ستتوجه إلى الصومال من أجل التنقيب مع سفن الدعم، نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، ومن المتوقع أنّ تبدأ أعمال حفر الآبار لإنتاج النفط مطلع عام 2025، وفق تصريحات محمد حاشي عربي، المدير العام لوزارة البترول والمعادن، الذي قال إنّ "سفن الأبحاث التركية ستقوم أولًا بمسح ثلاثي الأبعاد، ووفق نتائجه سيتم تحديد الأماكن التي ستُحفر فيها الآبار الاستكشافية، تمهيدًا لبدء الإنتاج".

إلى ذلك، لم تتحدث الحكومة الفيدرالية عن كيفية اقتسام الحصص مع تركيا، والتي من المرجح أن تتخذ شكلًا آخر غير اتفاقية تقاسم الإنتاج النموذجية، حيث تنصّ الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية على حصول تركيا على حصة من الثروات البحرية نظير معاملة المياه الإقليمية والاقتصادية للصومال كمياه تركية، وتوفير الحماية وتقديم الدعم والتدريب لبناء قوة بحرية صومالية، وتبلغ مدة الاتفاقية 10 أعوام. كما أن هناك غموضا واسعا حول هذه الاتفاقية التي لم تُعلن بنودها بعد، والتي وافق عليها البرلمان الفيدرالي دون قراءة، فيما يتعلق بحصة تركيا من الثروات البحرية، ونوع هذه الثروات، والمقابل الذي ستقدمه فيما يتعلق بالحماية وبناء القدرات البحرية الصومالية.

في السياق ذاته، تواجه الاتفاقية مع تركيا العديد من التحديات، منها أنّ خبرات تركيا لا تزال ضعيفة في مجالات النفط والغاز الطبيعي. كما أن تجربتها في الاستكشاف في البحر الأسود أثارت الكثير من الجدل، بسبب التوظيف السياسي من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان لهذه التجارب، التي صُورت على أنّها اكتشافات عملاقة ستحل مشكلة الطاقة في تركيا. 

فضًلا عن ذلك، تستلزم عمليات الاستكشاف ضخ مئات الملايين من الدولارات، وهو الأمر الذي لا تستطيع تركيا تحمله في الوقت الذي تواجه فيه أزمة اقتصادية كبيرة. كما أنّ بيانات المسح التي تجريها الشركات النفطية المرموقة لا تعد دليلًا حاسمًا على وجود نفط ذي جدوى استخراج اقتصادية، ما يعني أنّ الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية لا تقوم على أسس سليمة، ما يهدد بظهور خلافات حول تفسيرها بين الطرفين.

ختامًا، لا تبدو الطريقة التي يُدار بها قطاع النفط في الصومال ذا كفاءة بعد، بدايةً بضعف المؤسسات المسؤولة عن إدارة ملف الثروات الطبيعية؛ وزارة البترول والمعادن وهيئة البترول، وهو ما ظهر في الخلافات حول الاتفاق مع شركة "كوستلاين إكسبلوريشن"، والغموض حول الاتفاقيات مع تركيا، وإحجام الشركات الكبرى التي تمتلك خبرات دولية مرموقة عن العمل في الصومال. بالإضافة إلى ما سبق، يحتاج الصومال إلى استثمارات كبيرة لإنشاء البنى التحتية اللازمة لمرحلة إنتاج النفط، وهي قدرات لا تمتلكها تركيا، وتتطلب استثمارات بمليارات الدولارات، وتوافر خبرات وكفاءات بشرية، ونظام مالي كفء لإدارة العائدات، وقبل ذلك لا تزال الاحتياطات النفطية في مراحل الدراسة الأولية، ولا يمكن تأكيدها بعد دون إجراء المزيد من الأبحاث وعمليات الحفر الاستكشافية.