تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

سياسة

الحكومة الصومالية وشبح فخ الديون مجددًا

31 يوليو, 2024
الصورة
Hassan Sheikh Mohamoud
(تصوير سيمون ماينا / وكالة الصحافة الفرنسية)
Share

تشير الموازنة العامة للحكومة الفيدرالية الصومالية لعام 2024، وتوقعات موازنات الأعوام المقبلة، إلى زيادة في حجم الإنفاق، يقابله تراجع في حجم الموارد المالية لتغطيتها، بسبب انخفاض حجم المنح من الشركاء الدوليين، بعد الوصول إلى نقطة الإنجاز في المبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون(HIPC) ، في نهاية عام 2023.

يُتوقع أنّ يتجه الصومال نحو الاقتراض من المؤسسات الدولية والشركاء الثنائيين لتغطية العجز الدائم في الموازنة العامة، في ظل تدني حجم الإيرادات المحلية، فضلًا عن عدم وجود موارد إضافية لتمويل الاستثمارات العامة في البنى التحتية والخدمات العامة، وهو ما يمثّل خطرًا على اقتصاد البلد الهش، ويتطلب دورًا فاعلًا من البرلمان الفيدرالي، وهو الأمر مشكوك فيه بناءًا على الأداء المرصود.

موازنة حكومية متواضعة

تعتبر الموازنة العامة لعام 2024 التي أقرّ البرلمان الصومالي، الأكبر منذ تشكيل الحكومة الفيدرالية، حيث تُقدر بـ 1079.23 مليون دولار، من النفقات التشغيلية والاستثمارية، فيما يبلغ حجم الإيرادات المتوقعة نحو 1040.81 مليون دولار، ما يعني وجود عجز بنحو 39 مليون دولار تقريبًا، بعد احتساب كافة المنح. تتضمن موازنة العام الجاري، تكاليف ثابتة بنحو 569.6 مليون دولار، ونفقات استثمارية (المشاريع) بنحو 509.6 مليون دولار، سُتمول من خلال مصدرين أساسيين، أحدهما؛ العائدات المحلية، وتُقدر بنحو 346 مليون دولار تقريبًا، من الضرائب والرسوم. والآخر؛ المنح المُقدمة من المؤسسات المالية الدولية والشركاء الثنائيين، التي تصل إلى 694.6 مليون دولار، ما يمثّل نحو 66% من حجم الإيرادات المتوقعة في الموازنة، مقابل 34% من خلال الإيرادات المحلية المتنوعة، ليبلغ العجز المالي الإجمالي نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لعام 2024، المُقدر بنحو 12.8 مليار دولار.

اعتبارا لنتائج موازنات الأعوام السابقة، لم تتمكن الحكومة الفيدرالية من تحقيق الأهداف الكاملة فيها، بسبب انخفاض المتحصل من المنح عن التوقعات، ففي موازنة عام 2023، حققت الحكومة نحو 80% من المستهدفات، بسبب انخفاض المنح بنسبة 35.6% عما كان متوقعًا، إذ لم تجمع سوى 408.5 مليون دولار، من إجمالي المخطط المقدر بنحو 633.8 مليون دولار.

يشير ما سبق إلى، أنّ الحكومة الفيدرالية ستكون مضطرة للاستدانة لتمويل عجز الموازنة، حيث ستفقد قدرتها على الوصول إلى المنح، بحلول منتصف عام 2025، وكان من المفترض حدوث ذلك في منتصف عام 2024 الجاري. وبحسب ما جاء في تقرير المراجعة الأولى أنّه "اعتبارًا من نقطة اكتمال مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون في ديسمبر/ كانون الأول 2023، تم تقييم الصومال على أنها معرضة لخطر معتدل من ضائقة الديون وبالتالي، بموجب شروط تمويل مبادرة "IDA20" التقليدية. كان من المتوقع أن تتمكن الصومال من الوصول فقط إلى قروض ميسّرة جديدة (بدلًا من المنح) بدءًا من يوليو 2024".

وأضاف التقرير، أنّ المبادرة المقدمة من المؤسسة الدولية للتنمية قررت الإبقاء على شروط تمويل الصومال للالتزامات الجديدة كمنح، حتى نهاية يونيو/ حزيران 2025. ما يعني أنه بعد هذا التاريخ سيحصل على قروض مُيسرة من أجل تمويل التزامات الموازنة العامة، ما يعني أنّ الديون الخارجية ستبدأ في الارتفاع ثانيةً.

هل تكفي البدائل المحلية؟

تعول الحكومة الفيدرالية على زيادة الإيرادات المحلية من خلال أربعة مصادر، وهي: ضريبة الدخل والضرائب على التجارة الداخلية وعائدات الجمارك والضرائب والرسوم من الشركات الكبرى، وخاصة في قطاع الاتصالات. تشهد المصادر الثلاثة الأولى نموًا سنويًا، حيث حققت ضريبة الدخل نموًا بمقدار 32%، والتجارة الداخلية 5%، والجمارك 63.3%، وبلغ مجموع العائدات نحو 329.5 مليون دولار، بزيادة قدرها 16.3% عن المحدد بنحو 283.2 مليون دولار، وفق الحساب الختامي لموازنة 2023.

وتتوقع الحكومة نموًا في العائدات المحلية في العام المالي الجاري، بنحو 357.3 مليون دولار، بزيادة قدرها 3.6% عن المحدد في الموازنة العامة بـ 345 مليون دولار. ومقابل ذلك، انخفضت حصيلة المنح الخارجية بنحو 39.2%، لتحقق 389.8 مليون دولار من الهدف المحدد بنحو 641.5 مليون دولار.

ارتباطًا بذلك، يعمل صندوق النقد الدولي مع الحكومة لزيادة العائدات المحلية، لسد جزء من العجز السنوي، من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية كلية، تشمل قانون ضريبة الدخل الجديد، وزيادة تحصيل الإيرادات من الشركات الكبرى، وخطة دمج الرواتب وتنفيذ سياسة الأجور والدرجات. كما يعمل البنك الدولي مع الحكومة من أجل تحسين نظام إدارة الجمارك على المستوى الفيدرالي، بهدف مضاعفة العائدات المتحصلة من التجارة الخارجية، والتحكم في الواردات والصادرات، ويواجه هذا المسعى تحديات كبيرة تتمثّل في الخلافات بين الولايات الفيدرالية وحكومة مقديشو حول العائدات والجمارك.

تبعاً لذلك، ستسعى الحكومة الفيدرالية لرفع الضرائب بشكل عام، وهو ما سينعكس على أسعار السلع والخدمات، ما سيؤدي إلى تحميل المواطن تلك الأعباء الجديدة. ومع ذلك، تمثّل الضرائب فرصةً لزيادة الإيرادات الحكومية، حيث تبلغ نسبة مساهمتها في الإيرادات نحو %4.4 من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة للغاية وفقًا للمعايير الدولية.

في الأثناء، هناك مصدران آخران تعول عليهما الحكومة لزيادة عائداتها، وهما: التجارة والمزايا المتوقعة بعد الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا (EAC)، والثانية العائدات المُنتظرة مع بدء استخراج النفط من مناطق الامتياز البحري. تعقيبًا على ذلك، يرى صندوق النقد أنّ الصومال يحتاج إلى أعوام لبيان كيف سيستفيد من الانضمام إلى مجموعة (EAC)، وفيما يتعلق بالنفط لم يكن التقرير أكثر تفاؤلًا، حيث لا يزال عدم اليقين سائدًا بخصوص إنتاج النفط.

مخاوف حول إدارة الديون

وفقًا للعام 2024، تمثّل الديون الخارجية للصومال نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي لعام 2023، وذلك نزولًا من 64%، بعد إعفاء البلد من 4.5 مليار دولار من الديون في إطار مبادرة (HIPC) من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمشاركة أعضاء نادي باريس، والدائنين من مجموعة التنسيق العربية وغيرهم.

يرى صندوق النقد أنّ قدرة الصومال على سداد ديونه كافية، وإن كانت معرضة للمخاطر، كما يتوقع تزايد احتياجات الصومال من التمويل الخارجي، والتي سيتم تغطيتها من خلال القروض، بدايةً من النصف الثاني من عام 2025 الذي سيتطلب اقتراضًا بقيمة 133.3 مليون دولار، ترتفع إلى احتياج قدره 285.1 مليون دولار في عام 2026، وصولًا إلى 428.4 مليون دولار في عام 2029، وذلك لتمويل عجز الموازنة السنوية.

سُجل أول دين جديد بعد الإعفاء، وفق مبادرة (HIPC)، بحصول الحكومة الفيدرالية على تسهيل ائتماني محدد بقيمة 100 مليون دولار من خلال برنامج (ECF) من صندوق النقد الدولي. لكنه لا يمثّل مخاطر حول القدرة على السداد، حيث لا تزال نسبة الاستدانة من الصندوق مقابل حقوق السحب الخاصة (مساهمة البلد في الصندوق) البالغة نحو 200 مليون دولار أقل من المعدل العالمي، وإلى ذلك لدى الصومال نحو 33 مليون دولار في احتياطي الذهب.

وإدراكًا من الصندوق للمخاطر المتوقعة جراء اضطرار الحكومة الفيدرالية للاستدانة، فقد أوصى بإصدار مرسوم رئاسي يوضح المعايير الرئيسية لسياسة الدين، ويحدد الإجراءات التي يجب اتباعها للدخول في اقتراض جديد، وإصدار ضمانات سيادية. بالإضافة إلى تعديل لوائح إدارة المالية العامة، لتشمل تعريفًا واضحًا لـ"الالتزامات المالية الأخرى" التي تعتبر ضمانات. كما أوصى بالتزام وحدة إدارة الدين العام، بالنشر المنتظم وفي الوقت المناسب لنشرة الديون الفصلية، في غضون أربعة أسابيع التالية لكل ربع سنة.

ارتباطاً بذلك، يتعين على البرلمان الفيدرالي مراقبة أداء الحكومة فيما يتعلق بالاستدانة من الخارج، وعدم موافقتها دون قراءة كافية لمشاريع قوانين القروض. لكن في ظل تجارب البرلمانات الفيدرالية، من غير المنتظر قيامها بهذا الدور بفعالية. قدم البرلمان الفيدرالي الحالي مثالين على غياب الكفاءة والقدرة، فيما يتعلق بمناقشة القضايا العامة؛ الأول حين أقرّ الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية مع تركيا دون الاطلاع على نصّها، والثاني حين أقر الموازنة العامة لعام 2024، بعد أربعة أيام من استلامها، في حين أنّ قانون إدارة المالية العامة لعام 2019، ينصّ على أن "تخضع الميزانية السنوية للحكومة الفيدرالية للتدقيق من قبل الهيئة التشريعية لمدة شهرين على الأقل قبل سنها".

إجمالًا، سيتوقف حصول الصومال على المنح من المؤسسات الدولية بدايةً من النصف الثاني من عام 2025، وسيحصل على قروض مُيسرة لتمويل عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري، ما سيؤدي إلى تزايد الديون الخارجية، في ظل ضعف قدرة الحكومة على تغطية هذا العجز والالتزام بخدمة الدين العام. وتزداد مخاطر الاقتراض، إذا ما اتجهت الحكومة إلى الشركاء الثنائيين على غرار الصين، من أجل تدشين مشاريع البنية التحتية التي تحتاجها البلاد، ومن هنا تتجلى أهمية وجود هيئات تشريعية مستقلة قادرة على مراقبة أداء الحكومة، لا مجاراتها في خططها.