تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 22 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

هل تكون الشراكة الكينية-الأمريكية نموذجاً للغرب في أفريقيا؟

27 مايو, 2024
الصورة
روتو
زيارة روتو هي أول زيارة دولة رسمية إلى البيت الأبيض يقوم بها زعيم من دولة أفريقية منذ عام 2008. (تصوير وين ماكنامي / Getty Images)
Share

ركزت وسائل الإعلام الدولية في تناولها لزيارة الرئيس الكيني، وليام روتو، إلى الولايات المتحدة، على رغبة واشنطن في احتواء النفوذ الصيني - الروسي المتنامي في أفريقيا، وتعويض خسائرها في غرب القارة التي شهدت موجة من الانقلابات العسكرية، أطاحت بعدد من الأنظمة الموالية للغرب.

أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال الزيارة، عن إطلاق برنامج باسم "رؤية نيروبي-واشنطن"، بهدف مساعدة البلدان الطموحة في تحقيق تنمية مستدامة ومستقرة، ومواجهة أعباء الديون. فهل تهدف الولايات المتحدة إلى مواجهة النفوذ الصيني - الروسي المتنامي في أفريقيا من بوابة كينيا؟ وهل بمقدور نيروبي المثقلة بالديون تحمل تبعات صراع المحاور الدولية؟

الاحتفاء بزيارة روتو 

حظي الرئيس روتو بحفاوة كبيرة، ولقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، على رأسهم الرئيس بايدن خلال، زيارته التي امتدت من 21 حتى 24 مايو/ أيار الجاري. والتقى كذلك بالرئيس السابق باراك أوباما، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، وغيرهم من المسؤولين وقادة الشركات.

تزامنت الزيارة مع الاحتفال بالذكرى الستين لتدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبهذه المناسبة نشر "البيت الأبيض" تقرير حقائق حول التعاون السابق والجاري وخطط المستقبل القريب بين البلدين.

تخلل الزيارة اتفاق الطرفين على عدد من برامج العمل والاتفاقات الثنائية، لتعزيز التعاون الثنائي، كما أكدا على حرصهما على تعزيز قيم الديمقراطية التي تجمعهما. ومن أهم ما توصل إليه الجانبان:

  • توقيع إطار عمل لتعزيز تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، وستقدم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) نحو 32 مليون دولار لدعم العديد من برامج التعليم في كينيا.

  • إطلاق شراكة صناعية بين الولايات المتحدة وكينيا في مجال المناخ والطاقة النظيفة، والإشارة إلى خطة لإطلاق إطار جديد للنمو الأخضر في جميع أنحاء أفريقيا.

  • تقديم أكثر من 30 مليون دولار لدعم الحوكمة وإصلاح الشرطة، ومكافحة الإيدز والحد من الفقر من خلال وكالة يوساد.

  • تقديم قروض بقيمة 20 مليون دولار لتعزيز صناعة السيارات الكهربائية، لشركتي (BasiGo) و (Roam Electric).

  • تعزيز المفاوضات الثنائية لتوقيع الشراكة التجارية والاستثمارية الاستراتيجية، والإعلان عن قرب توقيع اتفاقية تجارية استثمارية، تركز على البنية التحتية والزراعة والطاقة.

  • استثمار 100 مليون دولار في توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، بقدرة 32 ميجاوات خلال السنوات الخمس المقبلة.

  • ضخ 10 ملايين دولار في خزانة كل من زامبيا وغانا وكينيا، في إطار الشراكة الأفريقية للأسمدة والأعمال التجارية الزراعية.

  • توقيع إطار عمل مع شركة كوكاكولا، يتضمن استثمارا جديدا بقيمة 175 مليون دولار.

شراكة صناعية تكنولوجية 

تم الإعلان في محور الشراكة في قطاع التكنولوجيا، عن استفادة كينيا كأول دولة أفريقية من تمويل يبلغ مليون دولار، من خلال برامج CHIPS وScience Ac. كما أعلن بايدن عزمه النقاش مع الكونغرس قصد عقد شراكة مع كينيا، لتوسيع وتنويع صناعة أشباه الموصلات الناشئة. ووقعت وكالة يوساد مذكرة تفاهم مع كينيا، تتعهد بموجبها بتقديم 1.3 مليون دولار تمويلا لدعم تصنيع رقائق أشباه الموصلات القديمة.

كما تقرر بمقتضى الشراكة بين الحكومة الأمريكية وجوجل، وضع خطط لتعزيز الأمن السيبراني في كينيا. هذا، ووقعت الحكومة الكينية ومايكروسوفت ومجموعة (G42) خطاب نوايا لبناء مركز بيانات أخضر، بقدرة واحد جيجا وات في نيفاشا، باستثمار قيمته مليار دولار.

يضاف إلى ذلك، أنّ مؤسسة تمويل التنمية الدولية (DFC)، ستقدم قرضا بقيمة 51 مليون دولار لشركة M- KOPA الكينية، لتعزيز سوق الهواتف الذكية، فضلاً عن التخطيط لعقد حوار استراتيجي حول الذكاء الصناعي نهاية العام الجاري.

"رؤية نيروبي-واشنطن"

شدد الطرفان بخصوص الديون والتمويل، على أنّه "لا ينبغي للبلدان أن تضطر إلى الاختيار الصعب بين سداد الديون والاستثمار في شعوبها واقتصادها ومستقبلها". وفي هذا الإطار تمّ الإعلان عن "رؤية نيروبي-واشنطن"، وهي "دعوة" موجهة إلى المجتمع الدولي لدعم البلدان ذات الطموح الاقتصادي، من خلال الاستثمار في تنميتها وتوفير تمويل ميسر ومستدام.

تعهدت واشنطن، لتحقيق ذلك، بتوفير 21 مليار دولار خلال الأسابيع المقبلة، للصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر التابع لصندوق النقد الدولي. وستعمل إدارة بايدن مع الكونغرس على إتاحة 35 مليار دولار للبنك الدولي العام المقبل، بهدف توفير 100 مليار دولار من المجتمع الدولي للدول الطامحة تنمويًا. وكانت واشنطن قد أتاحت 250 مليون دولار للبنك، لهذا الغرض خلال الأسبوع الماضي.

فيما يتعلق بكينيا، كان لواشنطن دور كبير في توسيع برنامجها الإصلاحي مع صندوق النقد الدولي، ورفع حجمه من 2.2 إلى 4.4 مليار دولار. كما تساند واشنطن جهود توسيع عضوية البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والتنمية (EBRD)، ليشمل دولا في أفريقيا جنوب الصحراء، ومنها كينيا.

إلى جانب ما سبق، كان لمحور التعاون الأمني والسلام حيز كبير في مفاوضات البلدين، ومن أهم مخرجاته الإعلان عن عزم الرئيس بايدن تصنيف كينيا حليفا رئيسيا خارج الناتو، والتباحث حول نشر 1000 عنصر شرطة كيني في هاييتي. ووقع البلدان مذكرة تفاهم لتوسيع مدرج مطار خليج ماندا، من أجل دعم العمليات ضدّ جماعة الشباب في الصومال، وقررا العمل على ضمّ كينيا إلى عملية "جالانت فينيكس" لتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب.

فضلًا عن ذلك، من المقرر أنّ تتسلم كينيا منحة عسكرية، تضمّ 16 طائرة هليكوبتر أمريكية، خلال 2024-2025، لتعزيز قدرتها على توفير السلام والأمن الإقليميين. كما وقع البلدان صفقة مبيعات أسلحة، تتضمن 150 مركبة أمنية مدرعة، ستصل في سبتمبر/ أيلول 2024. وتوافقا على تعزيز التدريب العسكري وبناء القدرات، وفي هذا الإطار ستقدم واشنطن، للمرة الأولى، مستشارا استراتيجيا لوزارة الدفاع الكينية.

كينيا: الاستفادة من التنافس الدولي

جاءت هذه الزيارة بعد أيام من إعلان البنتاغون سحب القوات الأمريكية من النيجر بطلب من نيامي، وهو ما اعتبر انتكاسة لإدارة بايدن في أفريقيا، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. ويرى محللون أنّ زيارة الرئيس الكيني محاولة لتعويض إخفاق بايدن في الوفاء بوعده بزيارة أفريقيا، خلال القمة "الأمريكية-الأفريقية" التي استضافتها واشنطن في 2022.

والمؤكد أنّ هذه الزيارة مثّلت نجاحًا للرئيس روتو الذي يواجه تحديات سياسية كبيرة، على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، سواء من ناحية التعهدات المالية والشراكات المُعلن عنها، ومن حيث التقارب المحتمل مع خصمه رئيس حزب (ODM) رايلا أودينجا، بعد أنّ رافق وفد من الحزب روتو خلال زيارة واشنطن.

لكن هل يمكن اعتبار الزيارة بمثابة نموذج للشراكة الذي تعرضه الولايات المتحدة أمام أفريقيا؟ هناك محوران للإجابة، يتعلق الأول برؤية كينيا للتنافس الدولي، والثاني بالسياسة الأمريكية في أفريقيا.

نيروبي: عبء الديون

يرى مراقبون أنّ نيروبي المثقلة بالديون، لا تملك رفاهية الدخول في صراع القوى الدولية. لهذا خفت حدة خطاب الرئيس روتو تجاه روسيا، بعد أنّ أدانت بلاده الغزو الروسي لأوكرانيا، خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، في 2022.

ونجحت موسكو في تقاربها مع نيروبي، من خلال قطاع الزراعة والأسمدة، فزار وزير خارجية بيلاروسيا نيروبي، والتقى روتو، ومهد لزيارة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف. 

في هذا السياق، قدمت 34 ألف طن من الأسمدة في شكل تبرعات لكينيا، وعقدت بيلاروسيا وكينيا مباحثات لاستكشاف التعاون الزراعي. وزار وزيرا الزراعة والتجارة الكينيين بيلاروسيا، ومن المخطط أنّ ترسل نيروبي جميع محافظي المقاطعات إلى بيلاروسيا، للتعرف على كيفية إنشاء المجمعات الصناعية، وتعزيز الحكم المحلي.

ذات الأمر ينطبق على الصين، حيث تراجع وليام روتو عن خطابه المعادي لبكين، إذ سبق له أن صرح خلال حملته الانتخابية: "دعوا المواطنين الصينيين يشوون الذرة، ويبيعون الهواتف المحمولة. سوف نقوم بترحيلهم جميعا إلى بلدانهم".

قام بعدها بزيارة إلى بكين، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لحضور منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي، وذكرت وكالات أنباء عن تقدمه بطلب إلى الصين للحصول على قرض بقيمة مليار دولار.

واشنطن: مقاربات تقليدية 

أما المحور الثاني المتعلق بالولايات المتحدة، فمن خلال تقرير الحقائق الذي نشره "البيت الأبيض"، يظهر أنّ معظم التعهدات المالية الأمريكية ليست بالشيء الجديد، فطالما قدمت واشنطن مثل هذه التمويلات إلى كينيا وغيرها من بلدان أفريقيا. كما أن مقارنة العلاقات الاقتصادية الكينية مع الصين ومع الولايات المتحدة ليست معيارا. بمعنى أدق، لا يمكن لكينيا أو غيرها من بلدان القارة استبدال بكين بواشنطن، وليس بمقدور واشنطن والغرب عموما الحلول محل المنتجات الصينية.

تعد الصين أكبر شريك تجاري لكينيا، بحجم صادرات بلغ 3.2 مليار دولار، وواردات بقيمة 207 مليون دولار. بينما تأتي الولايات المتحدة في قائمة الشركاء في المركز الرابع، بحجم صادرات 443 مليون دولار، وواردات بلغت 895 مليون دولار في عام 2023. 

أما عن الديون الخارجية الكينية، فحصة الصين منها تبلغ 6.3 مليار دولار، ويعتبر البنك الدولي الدائن الأكبر، بمبلغ 10.45 مليار دولار، من إجمالي حجم الدين الخارجي البالغ 37.95 مليار دولار، والذي يمثل 54% من حجم الدين العام، وذلك حتى النصف الأول من 2023.

بخصوص الاتهامات الرائجة حول "فخ الديون" الصيني في كينيا، والمخاوف من استيلائها على ميناء "مومباسا" حال التخلف عن سداد قروض إنشاء سكة حديد مومباسا - نيروبي، يذهب بحث أعده معهد تشاتام هاوس إلى أنّ هناك سوء تفسير للقروض الصينية في أفريقيا، بسبب الافتقار إلى الشفافية في الإعلان عن التفاصيل. وبحسب البحث فلا أساس من الصحة لاستيلاء الصين، بشكل تلقائي، على الميناء حال التخلف عن السداد.

إنّ توطيد الشراكة بين الولايات المتحدة وكينيا لا يمثّل اختراقًا أفريقيًا لواشنطن، بل هو أقرب إلى توطيد علاقات قوية بالأساس. ولكنها ربما تكون مؤشرا على سعي واشنطن تعويض تراجع النفوذ الغربي في غرب القارة بالتوسع في شرقها. يُضاف إلى ذلك، أنّ هدف واشنطن المتمثّل في احتواء النفوذ الصيني في القارة، لا يلقى قبولًا من دولها التي تواجه تحديات ضخمة، تتطلب التعاون مع جميع الدول.

كما أن العلاقات الأمنية والسياسية التي تجمع واشنطن ونيروبي تبقى علاقات إقليمية، تتعلق بدول مثل: السودان والكونغو الديمقراطية والصومال والتعاون في هاييتي، ومن غير المحتمل أنّ يكون لدى كينيا ما تقدمه لدعم النفوذ الغربي في مواجهة الصين وروسيا.

نموذج الشراكة الكيني

من جانب آخر، هل يمكن النظر إلى التعاون الأمريكي - الكيني كمقاربة جديدة من الغرب نحو أفريقيا؟ هناك عدة عوامل تحدد تلك الإجابة، منها أنّ الغرب بخلاف الصين أو روسيا ليس دولة واحدة، كما أنّ أفريقيا ليست كيانا واحدا متجانسا تصلح له مقاربة واحدة. فضلًا عن ذلك، يحتاج الغرب إلى معالجة الماضي الاستعماري في القارة، سواء في شكله التقليدي الذي انتهى في زمن الاستقلال السياسي، وشكله غير التقليدي المتمثل في النفوذ الكبير في تشكيل أنظمة سياسية موالية، والحصول على تفضيلات كبيرة في اقتصاد الموارد الطبيعية.

بالمقارنة، لا تحمل الصين وروسيا مثل هذا العبء التاريخي في القارة، بل كان حضورهما من باب دعم استقلال دول القارة، وخاصة الاتحاد السوفيتي لمناكفة الغرب، وتطبيقًا نسبيًا لمبادئ الاتحاد الأيديولوجية. كما أنّه لا يمكن جمع روسيا والصين في كفة واحدة، عدا اشتراكهما في المعسكر المعادي للغرب، بينما يختلف وجودهما في القارة، حيث الاقتصاد في المقام الأول للصين، والنفوذ السياسي والعسكري واستخراج الموارد الطبيعية لروسيا، وإنّ كان البلدان يمكنهما العمل جنبًا إلى جنبٍ، بخلاف الغرب.

تبعًا لهذا، يحتاج الغرب إلى مقاربتين للتعامل مع الدولتين في القارة، والتخفيف من عبء الحمولات الأيديولوجية التبشيرية التي تؤطر نظرته إلى دول العالم، والقارة بشكل خاص، ومن ذلك شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا الجندر، التي يدرك الجميع أنّها تحمل في طياتها أجندات سياسية واقتصادية.

تقدم أوغندا مثالا فيما يتعلق بالجندر، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات محدودة عليها، عقب إقرار قانون مكافحة المثلية، ومنها التشدد في حصول المسؤولين على تأشيرات الدخول إلى أراضيها، ومراجعة برامج التعاون مع الحكومة الأوغندية وغير ذلك. في المقابل، لا تنشغل السياسة الصينية ولا الروسية بمثل تلك القضايا، بل بالعكس تكاد تلتقي مع أفريقيا في ذلك.

عودا إلى نموذج الشراكة مع كينيا، الذي يمثّل حالة متقدمة من التعاون الأمريكي مع دول القارة، جنوب الصحراء، وهو في حد ذاته لا يمثّل نموذجًا قابل للاستنساخ، بل مجموعة واسعة من آليات التعاون، التي تلبي العديد من متطلبات التنمية في دول القارة، سواء منفردةً أو في تجمعات إقليمية.

تبقى لدول القارة كلمتها في تحديد علاقاتها الدولية، تبعًا لما يحقق طموحات شعوبها في التنمية، وفي هذا السياق، هناك حاجة لإعادة النظر إلى دول القارة من منظور مختلف، يواكب تطلعات شعوبها، وحالة السيولة السياسية والثقافية والاقتصادية التي يعيشها العالم. وختامًا فإنّ دول القارة مُطالبة بوضع رؤى تنموية تمكنها من توظيف التنافس الدولي المتنامي في أفريقيا، وتضع في الحسبان مصالحها الوطنية، وألا تنزلق في فخ الشعارات الرنانة.