تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

لماذا يروج خصوم صوماليلاند للصراع القبلي في إقليم أودال؟

5 يوليو, 2024
الصورة
يُطرح سؤال حول إمكانية تكرار سيناريو لاسعانود ثانيةً في أودال
يُطرح سؤال حول إمكانية تكرار سيناريو لاسعانود ثانيةً في أودال
Share

باتت منطقة "أودال"، غرب صوماليلاند، موضع اهتمام من قطاع واسع من مواطني الصومال، منذ الإعلان عن توقيع مذكرة التفاهم بين صوماليلاند وإثيوبيا، مطلع العام الجاري، والتي بموجبها ستخصص الأولى قطعة أرض على الساحل، المطل على خليج عدن، لتقيم الثانية قاعدة عسكرية، مقابل الاعتراف بصوماليلاند كجمهورية مستقلة، وغير ذلك من المزايا والبنود.

ساعد على ذلك، الاعتقاد بأنّ قطعة الأرض التي ستُخصص لإثيوبيا تقع في منطقة أودال، ما دفع إلى ترويج معلومات واسعة حول المنطقة، تتضمن مزاعم عن وجود خلافات تاريخية بين المكونات القبلية في أودال، ومناطق وسط صوماليلاند، حيث مركز قبيلة الإسحاق، التي تعتبر الكتلة السكانية الأكبر عددًا، في الجمهورية المُعلن استقلالها من طرف واحد عام 1991.

صناعة الأزمة

لم تنل منطقة أودال اهتمام يُذكر قبيل توقيع مذكرة التفاهم السابقة في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، ولم يكن هناك ذكر أو ترويج عن خلافات قبلية، بل لم يُروج لها كمطلب انفصالي عن صوماليلاند حتى سبتمبر/ أيلول 2023، حين صدر بيان عن مجموعة تعيش في كندا، تُدعى "حركة ولاية أودال"، طالبوا فيه بإعلان المنطقة ولاية فيدرالية، تنضم إلى الصومال.

ظهر الاهتمام بأودال عقب توقيع مذكرة التفاهم، ونُشرت مزاعم عن رغبة مكوناتها القبلية في الانفصال، وبدأ البعض في الدعوة لدعم هذه القبائل بالأسلحة من أجل شنّ حرب ضدّ السلطات في صوماليلاند، بهدف تكرار سيناريو منطقة "لاسعانود"، كما تضمنت الدعوات إعلان تلك المنطقة ولاية فيدرالية، والزج بالجيش الصومالي وقوات إقليمية حليفة للسيطرة عليها بشكل استباقي، لمنع صوماليلاند من تنفيذ مذكرة التفاهم مع إثيوبيا.

تعمد هذه الدعوات إلى تحويل التنوع القبلي في صوماليلاند إلى وسيلة لإذكاء الصراع، من خلال إثارة قبيلتي "غدابورسي" و"العيسى" اللتين تمثلان الأغلبية السكانية في منطقة أودال ضدّ سلطات صوماليلاند، التي يزعمون احتكارها من قبيلة "الإسحاق" التي تستوطن هرجيسا ومنطقة وسط صوماليلاند. تُنسب هذه القبائل الثلاث إلى قبيلة "درّ"، وهي واحدة من القبائل الأربع الكبرى في الصومال، وهي: درّ، وهوية، ودارود، والرحنوين، وإلى جانب قبائل درّ، تستوطن قبيلة فرعية من دارود مناطق في سول وسناج، شرق صوماليلاند، وهي التي قاتلت جيش صوماليلاند في لاسعانود خلال العام 2023 الماضي، حتى انسحاب الأخير.

بالإضافة إلى استغلال التنوع القبلي، يجد البعض في العودة إلى الخلافات التي نشبت بين الحركة الوطنية الصومالية (SNM) التي غلبت عليها قبائل الإسحاق، إبان الثورة الشعبية ضدّ نظام الجنرال الراحل محمد سياد بري (1969 - 1991)، والمكونات القبلية في أودال وسول وسناج، مدخلًا لخلق عداوات بين تلك القبائل. لكن تلك الخلافات لم تكن حكرًا على صوماليلاند، ولم تتوقف على صراعات بين قبائل محددة، بل نشبت بين فخوذ وبطون معظم القبائل، كما في حالة الصراعات بين أفخاذ قبيلة الإسحاق الأربعة، وأفخاذ الهوية، وأفخاذ الدارود. وإجمالًا، كانت تلك الصراعات تداعيات لما بعد سقوط دولة الوحدة عام 1991، سواء أكانت بين قبائل دعمت النظام العسكري وأخرى كانت في المعارضة المسلحة، أو بين معظم القبائل في إطار الصراع على السلطة على كافة المستويات، وشهدتها كافة مناطق صوماليلاند والصومال، وما تزال جارية في أرجاء واسعة من الصومال.

جيبوتي على خطّ الأزمة

لم ترض جيبوتي بتوقيع هرجيسا وأديس أبابا مذكرة التفاهم، لكونها إلى جانب اتفاقية ميناء بربرة الموقعة بين صوماليلاند والإمارات وإثيوبيا تمثّل منافسة قوية محتملة على التجارة الخارجية لإثيوبيا الحبيسة، وصرحت جيبوتي موقفها الرافض للمذكرة. وفي تصعيد غير مبرر،  استقبلت جيوبتي في 26 يونيو/ حزيران الماضي، الذي وافق الذكرى الـ47 لاستقلال جيبوتي، وفد ما يُعرف بحركة ولاية أودال الذي شارك في الحفل الرسمي بذكرى الاستقلال، كما سُمح للوفد بتنظيم فعاليات متعددة، تضمنت تصريحات معادية لصوماليلاند، بحسب تصريحات وزير الإعلام في صوماليلاند.

قبيل ذلك، حرصت جيبوتي على عدم إعلان معارضتها الصريحة لمذكرة التفاهم بين هرجيسا وأديس أبابا، لاعتبارات عديدة، قد يكون من بينها الحفاظ على علاقاتها القوية بإثيوبيا، التي تؤمن لها مليار دولار من العائدات جراء استخدام موانئها في التجارة الخارجية، ومع ذلك أخلت جيبوتي طاقم بعثتها الدبلوماسية في هرجيسا، بعد وقت قصير من توقيع المذكرة.

لطالما مثّلت جيبوتي منفذًا هامًا لصوماليلاند على العالم الخارجي، وتمتع البلدين - صوماليلاند غير مُعترف به دوليًا - اللذين يتشاركان الحدود بعلاقات جيدة، فضلًا عن التداخل القبلي والاجتماعي الواسع بينهما، ولكن موقف الأولى تحوّل حين شعرت بالمنافسة المحتملة من موانئ الثانية، وخاصة بعد توقيع مذكرة التفاهم. 

يمثّل هذا التحول مرحلة جديدة في العلاقات بين الجارتين، واتخذ طابع التصريحات الحادة المتبادلة، التي بدأت بتصريحات رئيس صوماليلاند، موسى بيحي عبدي، الغاضبة تجاه جيبوتي بعد سماحها بعقد فعاليات لما يُعرف بحركة ولاية أودال، ما استدعى جيبوتي إلى الرد على لسان وزير الإعلام ووزير الاقتصاد والمالية، واللذين نفيا تصريحات مسؤولي صوماليلاند، وأكدا على دور جيبوتي الداعم للسلام في المنطقة. 

وعلى النقيض من تلك التصريحات، أمعنت جيبوتي في موقفها المعادي لصوماليلاند، وقامت في 29 يونيو/ حزيران 2024 الماضي، بالتزامن مع استضافتها وفد من المعادين لصوماليلاند، بقطع خدمات الكهرباء والماء عن بعثة هرجيسا الدبلوماسية، بذريعة حجم المديونية الكبيرة البالغة عدة آلاف من الدولارات، وهو ما اُعتبر قرارًا بإغلاق البعثة، لكن بطريقة غير مباشرة.

أودال ليست لاسعانود

بدوره، شبه وزير الإعلام في صوماليلاند، علي حسن محمد، استضافة جيبوتي لوفد من الداعين لانفصال "أودال"، بمحاولة تكرار سيناريو "لاسعانود"، لكن مع اختلاف أنّ جيبوتي التي تضم مكونات قبلية وازنة من "العيسى" وأقلية من "غدابورسي"، ستكون الباحة الخلفية لهذه الأنشطة المعادية. جاءت تلك الاتهامات المتبادلة في وقت أخفقت فيه جهود تركيا لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا، بعد فشل اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في إحداث اختراق في الأزمة.

بناءً على ما سبق، يُطرح سؤال حول إمكانية تكرار سيناريو لاسعانود ثانيةً في أودال، وتتطلب الإجابة عنه تحليل عدة عوامل، أولها وجود الدعم الخارجي، والموقف القبلي، والرأي العام. بالنسبة للأول، يتوقف على جيبوتي؛ إذا ما كانت ستمضي قدمًا في سياستها المعادية لصوماليلاند، والمدى الذي قد تذهب إليه في ذلك، وفي ظل هذه التوترات فمن المحتمل أنّ تُقدم جيبوتي على دعم إثارة الفوضى في المنطقة، لمنع تنفيذ مذكرة التفاهم بين هرجيسا وأديس أبابا. ويتمثّل العامل الثاني في الموقف القبلي داخل أودال من الدعوات الانفصالية، وهو ما لم يُرصد حتى اليوم، بل بخلاف ذلك يحظى حزب التضامن الحاكم "كليمه" بحضور جماهيري في أودال، وعقد الحزب مؤتمرًا انتخابيًا ناجحًا في المنطقة، في الثاني من يوليو/ تموز الجاري، بحضور رموز قبلية وسياسية وشعبية واسعة.

ويتمحور العامل الثالث حول الرأي العام، وفي حالة أودال لا توجد رؤى مشتركة تطالب بالانفصال عن صوماليلاند، ولم يُعرف عن المنطقة مواقف عامة عادت الاستحقاقات الدستورية والانتخابية على غرار ما حدث في لاسعانود، ما يعزز القول إنّ محاولة تكرار سيناريو لاسعانود لن تنجح في أودال.

ختامًا، إنّ جميع المبررات التي تُساق لمحاولة زعزعة الاستقرار في أودال تتهافت أمام الواقع في صوماليلاند وجيبوتي، وحتى الادعاء باحتكار قبيلة الإسحاق منصب الرئاسة لا يصمد أمام التحليل؛ كون دستور صوماليلاند يُجرم تأسيس الأحزاب على أسس قبلية، ويفتح الباب أمام جميع المواطنين للمشاركة السياسية، من خلال الترشح والانتخاب. وعلى النقيض من ذلك، تحتكر قبيلتي دارود وهوية منصب الرئاسة ورئاسة الوزراء بالتناوب، فضلًا عن تهميش الأقليات والقبائل الصغيرة في الصومال من المشاركة في الحياة السياسية والمناصب الحكومية، وفي حالة جيبوتي يحتكر فخذ "مماسن" من قبيلة العيسى منصب الرئاسة منذ الاستقلال، ولهذا فاللعب على وتر القبلية سيرتد في نهاية المطاف ليضرّ بالجميع.