تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
حوارات

مقابلة مع مؤلف كتاب "مشروع آبي.. الله والسلطة والحرب في إثيوبيا الجديدة"

15 مايو, 2024
الصورة
Tom Gardner and his book
Share

مراسل مجلة الإيكونوميست في إفريقيا - توم غاردنر - يتحدث إلى جيسكا عن السياسة الإثيوبية وكتابه الجديد عن "مشروع آبي".

 

أحدثت الهزة السياسية الناجمة عن صعود آبي أحمد إلى السلطة عام 2018 موجات ارتداد صادمة في جميع أنحاء المنطقة، كان آبي آنذاك - البالغ من العمر 42 عاما - أصغر زعيم في إفريقيا وأول رئيس في إثيوبيا من إثنية الأورومو، وكانت كل الأنظار مصوبة إليه وهو يعد بإصلاحات جذرية، متعهدا بأخذ إثيوبيا في اتجاه جديد على الصعيد الداخلي وفي علاقاتها الخارجية.

وتحدث أحد سكان العاصمة إلى توم غاردنر - الذي كان يكتب حينها لصحيفة الإيكونوميست من أديس أبابا - مستدعيا أوجه التشابه بين خطاب آبي أحمد والأسلوب المهيب لباراك أوباما.

لقد وضع آبي أحمد معايير عالية أدَّت إلى رفع سقف التوقعات بطريقة قد تضع مصداقية أي شخص على المحك في أفضل الأحوال، ومن المؤكد أن ذلك لم يكن في صالحه. يقول غاردنر: “كانت أركان الدولة الإثيوبية تتعرض للانهيار قبل أن يتولى السلطة عام 2018”. كانت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية الحاكمة تواجه احتجاجات مستمرة وأعمال عنف في مناطق عديدة، وعلى الرغم من أن معدلات التنمية كانت تبدو جيدة على الورق (كان اقتصاد إثيوبيا الأسرع نموا في إفريقيا في ذلك الوقت) إلا أنها لم تصل إلى قطاعات كبيرة من البلاد.

وأصبح موقفه أكثر تعقيدا وحرجا بعد جائحة كوفيد 19، وتجاهل إدارة ترامب لإفريقيا، والاضطرابات الواسعة في منطقة موبوءة بالصراع، وأزمات المناخ، وغياب الاستقرار السياسي. ولكن بعد انقضاء ست سنوات؛ ينظر العديد من الصحفيين والمحللين الآن إلى آبي من منظور مختلف تماما مع تفاقم النزاع بشكل أكبر في إثيوبيا، حيث أعرب الكثيرون عن قلقهم بشأن الاتجاه العام للبلاد تحت قيادته.

يتابع توم غاردنر - المقيم في إفريقيا منذ عام 2016 (معظمها في إثيوبيا) - رئاسة آبي أحمد للوزراء منذ وصوله إلى السلطة، وقام بجمع ملاحظاته في كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان: "مشروع آبي.. الله والسلطة والحرب في إثيوبيا الجديدة"، تحدث غاردنر إلى جيسكا - بصفته مراسل مجلة الإيكونوميست في إفريقيا حاليا - عن صعود آبي أحمد وأسلوب قيادته ولماذا اختار أن يكتب كتابا عنه.

فيصل علي: لماذا اخترت تأليف كتاب عن آبي أحمد وتجاهلت خيار التأليف عن العجوز الماكر أفورقي الذي عاش لفترة أطول، أو أوهورو كينياتا الذي كان لزواله السياسي آثار كبيرة على كينيا؟

توم غاردنر: حسنا.. لقد كنت مقيما في إثيوبيا، ولهذا السبب الواضح فقد كنت مؤهلا للكتابة عن آبي أحمد أكثر من أي زعيم آخر في المنطقة. ومع ذلك؛ فإذا نظرنا إلى القادة الآخرين، فستجد أن هناك مؤلفات لا بأس بها عن أسياس [أفورقي]، وكذلك يُعدُّ أوهورو كينياتا شخصية مهمة في السياسة الإفريقية في القرن الحادي والعشرين بلا شك، لكن الفرضية الأساسية لكتابي هي أنه لا يوجد سياسي مثل آبي أحمد من حيث تأثيره، ليس فقط على إثيوبيا بل على المنطقة أيضا. لقد قلب النظام القائم رأساً على عقب، وضرب بمطرقة ثقيلة المؤسسات التي حكمت البلاد لما يقرب من ثلاثة عقود. وأعتقد أيضا أنه سيُنظر إليه على وجه التحديد على أنه الزعيم الإفريقي الذي دشَّن لعصر متعدد الأقطاب. 

فيصل علي: هل وقعت على شيء أثار دهشتك بخصوص البدايات المبكرة لحياة آبي أحمد حينما شرعت في البحث عن مصادر لتأليف الكتاب؟

توم غاردنر: أرى استمرارية مذهلة في بعض الأفكار والمواضيع التي شكلت تفكيره السياسي منذ زمن بعيد يعود لأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. من بينها على سبيل المثال؛ فكرة مذهب الرخاء الذي يروج أن الفقر هو حالة ذهنية وأن نمط تصورات الفرد وفاعليته قد تساهم في تغيير البلدان، وهذه أفكار مثيرة للجدل. يكرر منتقدو آبي كثيرا أنه انتهازي أو متهكم بامتياز وسيقول أي شيء يمنحه النصر إذ ليست لديه معتقدات حقيقية، لذلك أذهلني مدى تغلغل هذه الثيمة وحضورها المتكرر في سيرته الذاتية.

فيصل علي: برز آبي أحمد في البداية باعتباره إصلاحيا نشطا؛ حيث اعتذر عن التعذيب، ومنح النساء والأقليات تمثيلا أكبر في مجلس الوزراء، وعقد السلام مع العديد من حركات التمرد، وأنشأ لجنة لحقوق الإنسان، وفاز بجائزة نوبل، وبدأ خصخصة القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الإثيوبي، كما ورد أنه ندد بـ "الكفرة" - الحزب الشيوعي الصيني - خلال مناقشات خاصة مع المسؤولين الأمريكيين على الرغم من كون الصين شريكا اقتصاديا أساسيا لإثيوبيا، لم يكن يُغَنِّي من ورقة الترنيمة الصحيحة فحسب بل كان أداؤه ساميا وأثار انبهار الكثيرين. وفي نهاية المطاف؛ سارت الأمور بشكل مختلف في الداخل والخارج. مما دفع الناس للتساؤل عما إذا كان مجرد مناور ذكي حقا، يخطط لمسار يسمح له بكسب الدعم والتعامل مع خصومه بطريقة قاتلة، أو أنه شخص كان يملك طموحات صادقة لكنه تعثر في مستنقع أشباح ماضي إثيوبيا الذي سعى لتبديده.. ما هي قراءتك له؟

توم غاردنر: لقد كنت شاهدا على النشوة وربما لعبت دوري في الترويج لمصطلح "أبيمانيا" [الهوس بــ "آبي"] الذي كان مصطلحا دقيقا جدا من زاوية تشخيص الحالة المزاجية على الأقل في أديس أبابا وأمهرة وأوروميا في ذلك الوقت. لدي في كتابي فصل عن هذه الفترة، وأفكر بإعادة كتابتها. وبخصوص التساؤل إلى أي مدى كانت تصرفاته بمثابة مسرحية أو قناع يخفي نواياه الحقيقية؟ فهذا هو اللغز الأكبر لمشروع آبي، ويطيب لي القول بأن كلا الأمرين صحيح إلى حد ما. فالرجل يعتقد أن الرب أرسله، ومن الجلي أنه يقدم ذاته بوصفه شخصا لا غنى عنه لتحديد مصير الأمة، ولديه رؤية قطعا لكنها ليست برنامجا أيديولوجيا واضح المعالم وإنما تصور نظري عن الوجهة التي يرغب بأن يأخذ إثيوبيا إليها. إنه يريد أن يقود إثيوبيا إلى مستقبل حديث ومزدهر؛ وأفترض جدلا أنه متجاوز للإثنيات، ويسعى لخلق أمة من المكافحين المُتَّقين. إذا اعتقد شخص ما أن قدرا من العناية الإلهية ترافقه لتحقيق رؤيته؛ فمن المحتمل أن يبرر ذلك فعل أي شيء. وهنا يأتي دور التهكم وعدم الرغبة في التسوية والقسوة، فهو يتمتع ببعض المرونة فيما يتعلق بالوسائل لكنه واضح في أهدافه.

فيصل علي: أحيانا تكون أفضل وسيلة لفهم شخصية سياسية هي التحقق من مرشديها، لقد أشرت إلى أبادولا جيميدا Minase Woldegiorgis، ما هي طبيعة علاقة آبي به ومدى تأثيره عليه برأيك؟

توم غاردنر: لقد كان زعيم OPDO (منظمة شعب أورومو الديمقراطية) وهو الأب الروحي لسياسات إثنية الأورومو الحديثة، إنه الشخصية العملاقة في ذلك الحزب الذي سيطر على منطقة أوروميا، وقام بتجنيد عدد كبير من جيل الشباب في ذلك الوقت، بما في ذلك شخصيات مثل ليما [ميغيرسا] وشيمبيليس عبديسا وآبي أحمد وجميعهم تلامذة أبادولا.

إلى أي مدى نفكر في آبي بوصفه سياسيا من إثنية الأورومو؟ هنا يأتي دور أبادولا حقا. يُعد أبادولا سلفًا لآبي أحمد في بعض النواحي لأنه قومي أوروموي، لكنه ملتزم بالدولة الإثيوبية ويرى تمثيلا موسعا للأورومو في قلبها، وكان أبادولا أيضا شخصية رئيسة في محاولة جعل منظمة OPDO لاعبا أساسيا في السياسة الإثيوبية وليس مجرد شريك هامشي. يبدأ مشروع تحرير طبقة الأورومو الحاكمة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مع أبادولا، ويمضي قدما بواسطة آبي أحمد وليما، حيث يقوم آبي بتحريك المشروع في اتجاه ما يبدو أنه قومية إثيوبية أكثر قابلية للتوافق.

فيصل علي: لقد ألمحت إلى أن آبي أحمد ينظر إلى نفسه بأنه أحد أشكال التقاطع بين إمبراطور إثيوبي قوي متوج دينيا والرئيس التنفيذي للتكنولوجيا، تقاطع بين تويدروس وبيزوس إذا جاز التعبير. كيف يختلف أسلوب قيادته عن أسلافه؛ هايلي مريام ديسالين وملس ]زيناوي[ ونظيره أفورقي؟

توم غاردنر: آبي أحمد هو نوع من التلفيق التوليفي لمجمل هذه التأثيرات بطريقة تفسر صعوبة الوقوف على حقيقته، وما يفعله هو مغامرة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها. يستدعي آبي أحمد وأسياس أفورقي الملكية الإثيوبية الإمبراطورية التي تمارس الإشراف على محكمة سرية تهيمن عليها المكائد والدسائس وتدمير الأعداء بوحشية، يشترك كل من آبي وأسياس في هذا الأسلوب.

هايلي مريام تكنوقراطي حسن النية وليس سياسيا من النوع الذي تحتاجه إثيوبيا لتزدهر، وهو يختلف تمامًا عن آبي أحمد في هذا الصدد. هايلي مريام كان مؤمنا متطرفا يعتقد بأنه يقوم بواجب إلهي رغم حرصه على عدم الخروج عن التقاليد العلمانية للجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الحاكمة، وإضافة إلى ذلك فقد كان إنجيليا وخمسينيا [نسبة للكنيسة الخمسينية] مثل آبي أحمد، لذا فهم يشتركون في هذا المفهوم الديني للسياسة. ربما يُنظر إليه على أنه نوع من شخصية يوحنا المعمدان مقارنة بيسوع المخلص الذي يحاول آبي أن يتماهى معه، أو هكذا يبدو أن هايلي مريام نفسه قد رأى الأمر لفترة من الوقت.

فيصل علي: يبدو الإسلام في إثيوبيا اليوم أكثر بروزا من أي وقت مضى حسب علمي، وعلى الرغم من أنني لا أريد المبالغة في هذه النقطة نظرا لاستمرار الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء البلاد ولكن أريد أن أعرف رأيك في كيفية تعامل آبي أحمد مع هذا الأمر؟

توم غاردنر: تعامل ملس زيناوي مع الجالية المسلمة عبر عدسة الحرب على الإرهاب، لذلك كان مدفوعا بنهج أمني وترصُّدٍ جائر، لقد أراد أن يفرض شكلا مقبولا من الإسلام يكون أكثر هدوءا. أما بالنسبة لآبي أحمد؛ فهناك العديد من علامات الاستفهام حول طفولته ووالده لكنه تلقى تعليما إسلاميا أثناء نشأته، لقد كان مقربا جدا من شيخ بارز في مدينته عندما كان مراهقا، لذا فهو على دراية جيدة بالإسلام إلى حد معقول.

تحول إلى المسيحية في وقت لاحق بعد أن نجا من حادث أثناء الصراع الحدودي مع إريتريا، لكنه يتمتع بتنشئة دينية متنوعة، فهو مرتبط بجميع الديانات الثلاث الرئيسة في إثيوبيا. كانت والدته أرثوذكسية، وكان أبوه مسلما بينما انتسب هو للكنيسة الخمسينية. أعتقد أنه يرى الدين وسيلة لدعم موقفه السياسي من خلال تقديم نفسه كشخص مُوحِّد. لكنه ليس سياسيا خمسينيا، وينتقده البعض في طائفته الدينية بسبب ذلك، وقد أقيمت موائد الإفطار في ساحة المسكل وهي ذات أهمية رمزية، وشارك في الإيريتشا أيضا والتي تُعتبر جزءا من ديانات الأورومو التقليدية غير الإبراهيمية. لذا فهذه ملاحظة جانبية مثيرة للاهتمام.

فيصل علي: آبي أحمد يهتم كثيرا بالمظاهر، فالدولة الإثيوبية تتمتع بعلامة تجارية براقة، والجميع يرتدي بدلات أنيقة، ويحب آبي أحمد أن يُظهر الثورات وكأنها تحدث بلا توقف في إثيوبيا، لكن أجزاء كبيرة من إثيوبيا لا تزال متورطة في القتال الذي سبق حكمه. فعلى سبيل المثال؛ اشتعلت حرب جديدة في تيغراي 2020 رغم تعهده بتحقيق مصالحة في البلاد، لماذا فشل في هذه المهمة برأيك؟

توم غاردنر: حسنا.. من المهم أن نشير إلى أن الدولة الإثيوبية قبل تولي آبي أحمد لمنصبه عام 2018 كانت على وشك الانهيار، إذ بدأت تفقد احتكارها للعنف وكانت بحاجة إلى إعادة توحيدها وإلى إيجاد إجابة جديدة للمشاكل الهيكلية الأساسية التي كانت تتجلى في مناطق مختلفة من البلاد لأسباب متباينة.

ويؤمن آبي أحمد أيضا بأسطورة أنه لا مندوحة عنه، وأنه يملك الحل لجميع مشاكل إثيوبيا. نقطة البداية في نظره تتمثل بتكوين ذهنية جديدة قبل القيام بأي شيء، والابتعاد عما يعتبره طرائق تفكير عفا عليها الزمن. إن عددا كبيرا من الإثيوبيين لا يشاركونه ذات النظرة تجاه مشاكل البلاد، ولا يعتقدون أنه يمتلك الحل السحري لمعضلاتها. وبحلول عام 2018 بدأ التمرد من أوروميا، فالحل الذي أعلنه لم يثبت كفاءته. ولكننا رأينا أيضا أنه لم يكسر تقاليد أسلافه بخصوص التعامل مع المعارضين، وخاصة أولئك الذين يهددون حكمه، وذلك من خلال تجلِّياتٍ مذهلة للعنف الكاسح.

فيصل علي: أصبحت المنطقة الصومالية في إثيوبيا الآن - وفق تحول غريب بشكل لا يصدق - واحدة من أكثر المناطق استقرارا، في حين أن المناطق التي حددت مصير إثيوبيا (أمهرة وتيغراي) أصبحت غير مستقرة إطلاقا. كيف تغيرت علاقة المركز مع المنطقة الصومالية - والأطراف على نطاق أوسع - خلال عهد آبي؟

توم غاردنر: حسنا.. هذا يعيدنا للكلام عن التناقضات التي تُعتبر هذه إحداها. آبي أحمد شخص يعشق المركزية في ممارسة السلطة، وأعتقد أن مصطفى عمر ]حاكم المنطقة الصومالية[ قد أدرك بأنه إذا خضع للحكومة المركزية فسوف يتم تفويضه بقدر عالٍ من الاستقلالية في كيفية إدارة منطقته؛ أي مزيدا من الحكم الذاتي أكثر من أي وقت مضى في التاريخ المعاصر للإقليم الصومالي. ويتطلب هذا الدور درجة من التعاون بشكل متصل، ويُنظر إلى مصطفى على أنه رجل آبي في المنطقة الصومالية، الأمر الذي أثر على شعبيته لكنه لم يحل دون إقرار المراقبين حتى ناقديه بأنها استقرت. مصطفى براغماتي؛ سيتماشى مع مطالب آبي عند الحاجة ولن يتحدى سلطته، لكنه في الوقت ذاته سيوفر لنفسه هامشا للعمل بحرية.