تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 22 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

عن التعديلات الدستورية في الصومال و"المنعطفات الحرجة"

7 مارس, 2024
الصورة
somali
Speaker of Somalia Lower House of the Parliament Sheikh Adan Mohamed Nur addresses the opening of the third session of the 11th Parliament at the Somali Parliament in Mogadishu on May 29, 2023. (Photo by Hassan Ali Elmi / AFP) (Photo by HASSAN ALI ELMI/AF
Share

مر الصومال في آخر خمسين عاما بمنعطفات سياسية واجتماعية قاسية، أثرت على طبيعة النسيج الاجتماعي للمجتمع، وتركت تلك التجارب ندبات على "الوعي الجمعي" للمجتمع، وفشلت الدولة القومية في تحقيق الازدهار المنشود أو بناء دولة مبنية على أسس عادلة، وقد كانت النتيجة ظهور مجتمع منقسم إلى كيانات قبلية متصارعة، ولم يدفع الموقع الجيواستراتيجي للصومال، والموارد الطبيعية التي يمتلكها لبناء دولة مؤسساتية تسودها العدالة الاجتماعية، أو على الأقل تستطيع منافسة الدول الاقليمية التي حققت نسبة عالية من استقرار السياسي والديمقراطي رغم التنوع العرقي والقومي لتلك البلدان. 

وفي تلك الفترة التي تكافح الدولة الصومالية الهشة تجاوز أثر المنعطفات الحرجة في تاريخها السياسي القصير، وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي، كان يشهد العالم منعطفات حرجة من جهته: فسقوط جدار "برلين" 1989، وتضعضع الاشتراكية في العالم، ومن ثم تشكل النظام القطب الواحد، وانهيار النظام الاشتراكي في الصومال، وأحداث 11 يوليو/ سبتمبر، وبداية محاربة ما يسمى "الإرهاب العالمي"، كل هذه التغييرات السريعة وقعت في عقد واحد فقط، وبالفعل، كان لها ارتدادات سلبية على إستقرار الصومال. وهي إحدى العوامل التي أثرت بصورة مباشرة على إعاقة تحقيق طموح الشعب الصومالي، ولا نتحدث هنا عن "نظرية المؤامرة" بل عن تأثير تلك التغييرات القوي في صياغة مستقبل الدولة الصومالية. 

ويقول صاحبا كتاب "لماذا تفشل الأمم؟" - دارن أسيموجلو وجيمس روبنسون"  عند حديثهم عن "المنعطف الحرج - Critical Juncture"  بأنها أحداث تاريخية مدمرة للغاية تعمل على تحويل المجتمعات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. ويعتقدان أن المؤسسات غالبا ما تتغير بشكل جذري استجابة للمنعطفات الحرجة، فتصبح أكثر شمولا أو استخراجية اعتمادا على من يسيطر عليها. 

وانطلاقا من هذا؛ فإن الصومال شهد تحولات سياسية كبرى في آخر ستة عقود، بدأت في فترة الحكومة المدنية التي تسمى الجمهورية الأولي، وهي الإرث الديمقراطي الوحيد التي نفتخر به، و الذي ظل عصيا رغم التعثرات السياسية ما بعد النظام المدني في الصومال. 

وفي فترة الحكم الاشتراكي (الجمهورية الثانية) وما لحق بها من أحداث سياسية وصراعات أيديولوجية، برزت "الدولة الاشتراكية" وكذلك ظهور الصحوة الدينية أو  "الحركات الاسلاموية" التي تصدرت في المشهد السياسي والاجتماعي في التسعينيات، وأخيرا، بناء دولة صومالية قائمة على أسس فيدرالية في امبغاتي، وهي ما اصطلح بـ "الجمهورية الثالثة" وقد تشكلت بعد عودة الحرب الأهلية من الصفر، ولم تنجح في توسيع تواجدها في خارج العاصمة مقديشو، بسبب هشاشة الحكومة الاتحادية، والتواجد العسكري لحركة الشباب، وقد حققت الحكومة الحالية إنجازات سريعة في ملف محاربة "الشباب" ولكنها لم تواصل المعارك الميدانية في الشهور الماضية بسبب انشغالاتها بملفات سياسية داخلية وخارجية. 

وتمثل التعديلات الواسعة للدستور المؤقت "نقطة تحول" للصومال، وكان يتوقع من الحكومة الحالية إكمال الدستور المؤقت، ولكنها فضلت إجراء تعديلات جوهرية في أغلب المواد الدستور، واضافة مواد أخرى جديدة، وفي حال صوت مجلسا الشعب والشيوخ لتلك التعديلات، سيكون مستقبل الصومال على "كف عفريت"، وسنكون على أعتاب "منعطف حرج" آخر، وكأننا لا نعي السيرورة التاريخية لتلك المنعطفات التاريخية المؤلمة التي عاشت الصومال في طيلة سنوات الماضية. 

 

غياب النهج الاستباقي للأحداث

تحدث الشيخ على وجيز مجيبا عما إذا كانت الصحوة الاسلامية في الثمانينيات لعبت دورا محوريًا في سقوط الحكومة الصومالية، وأورد قصة ظريفة على لسان سياد بري، بأنه في آخر ايامه في الحكم اعترف ان ثمة أخطاء إدارية فادحة من وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد غوليد، الذي اشتهر بتشدده ضد كل من ينتمي الى التيار الوهابي الذي ترعاه السعودية، ومن السخرية ان سياد بري كان يعتبر السعودية أحد الدول الشريكة والمتخالفة لنظامه الماركسي. وبعد مخالفة سياد بري عن مرسوم لوزارة الشؤون الدينية التي أمرت الشعب الصومالي بالافطار في يوم الشك الثاني من رمضان، دعا وزيره في القصر الرئاسي، وقال له بالحرف: " ألم أخبرك -يا غوليد - أن تخالف السعودية يوم واحد وليس 

يومين!.  

ونفهم من هنا طبيعة عقلية "سياد بري" الذي يوصف حقبته من أكثر السنوات إزدهارا لنظام الحكم في الصومال، وان تلك العقلية العسكرية المتحجرة التي عجزت عن استبعاب طموح الشعب الصومالي، وبفضل تلك "السياسات الخاطئة" صارت الصومال بعبعًا مخيفًا لبقية دول العالم، وأضيف في أدبيات السياسة  مصطلح الـ  "صوملة" وهي إحدى تمظهرات فشل النخبة السياسية في الصومال. 

إن تشكل خطوط المنعطفات التاريخية مهما كانت نتائجها، تتطلب إلى توفر ممارسات يومية تنتهي إلى نتيجة ما، وأن وقوعها لا يأتي بعامل خارجي أكثر مما يتمخض عن قرارات سياسية يومية، ونعرف جليّا أن إرث انهيار الدولة في 1991 ما زال حيّا في الصومال، حيث علاقة المركز والأطراف في الدولة الصومالية مضطربة، بسبب فشل الحكومة العسكرية استيعاب جمع أطياف الشعب الصومال، مما أفضى إلى نتائج وخيمة تمثلت باندلاع الحرب الأهلية بعد انهيار الحكم العسكري.

 

عن التعديلات الدستورية الجارية

ذكر الرئيس السابق، آدم عبد الله عثمان، في مذكراته التي ترجمت من الإيطالية إلى الانجليزية من قبل الكاتب محمد عيسى تُرنجي، بأن شائعات الانقلاب العسكري كانت منتشرة قبل حدوثها بأسابيع، ولكن الحكومة والرئيس لم يبديا أي  اهتمام بذلك، رغم أنهم عرفوا عن ما يخطط له العساكر، ولكن لم يتحركوا في الوقت المناسب لإخماده،  وقال الرئيس  "آدم" بأن الانقلاب يعود إلى سببين رئيسيين حسب رأيه، أولا: الانقسام القبلي للنخبة الحاكمة في الصومال، فالأحزاب التي شاركت الانتخابات البلدية والبرلمانية، شاركت على أسس قبلية بحتة، حيث استدعاء الهوية القبلية كان حاضرا بشكل ملفت، وثانيا: الفساد المتفشي في الدوائر العامة، وهو ما أديا إلى  تهيئة المناخ  لتقبل الانقلاب، لأنه لم يكن يتحمل التدهور الاقتصادي آنذاك، وبدأ الصومال آنذاك، بالسعي للحصول على مساعدات أجنبية على حسب قوله، فتشكلت أسباب حدوث "المنعطف الحرج" الذي غيّر وعي الشعب الصومالي  بالأنظمة السياسية المعاصرة، وظن الشعب في بداية النظام السلطوي أن "حكومة قوية تكفي لإعادة هيبة الصومال إلى المسارح  الاقليمية والدولية" ولكن لم يكن يعرفون ان ذلك النظام الاستخباراتي القوي سيكون سببا لانهيار المؤسسات الحكومية، حيث أنه قتَل وشرّد طيفا واسعا من الشعب الصومالي بسبب ميولهم السياسية والفكرية، واستمرت تداعيات انهيار هذا النظام عقدين كاملين، وحتى الآن، تمثل الانقسامات المناطقية وبروز النظام الفيدرالية في 2004 إحدى إرهاصات فشل "سياد بري" في الحكم. 

ما أريد قوله؛ أن الأحداث اليومية التي نعيش حاليا، سيكون لها ارتدادات إيجابية أو سلبية في المستقبل القريب والبعيد لنظام الحكم في الصومال. فمشروع الحكومة الحالية لتغيير الدستور الفيدرالي المؤقت، الذي اتفق بأن يكون "اتفاق شعبي يخدم الأمة الصومالية" وليس بأن يخدم مجموعة ذات مصالح ضيقة. 

ففي مايو 2023 عد المنتدى التشاوري أن يكون المرجع الأساسي والوحيد للتعديلات التي بدأتها الحكومة الحالية، وتغيير النظام الحكم، وقانون الأحزاب والانتخابات، وغيرها من البنود الأساسية التي التي يراد تغييرها، ستقوض تجاوز المنعطفات التي مرت بها  الدولة الصومالية طيلة سنوات تأسيسها، وتخلق "منعطفا آخر" ربما أكثر خطورة من المنعطفات التاريخة السابقة، لإن الانقسام المناطقي والسياسي تحول إلى واقع سياسي ملموس، ولا يمكن لمجموعة فرض رأيها على بقية المكونات السياسية الأخرى، ما لم يكن هناك اتفاق جمعي للفواعل السياسة في البلاد.

فما حدث في 24 من يناير الماضي، وبحضور نواب مجلسى الشعب والشيوخ، ما هو إلا صورة مصغرة عن الفشل السياسي والقيادي التي يشهده الصومال، فثمة ملفات مهمة أهملت لصالح التعديلات الدستورية الجارية، مثل ملف الأمن، وهو الملف الأهم في الصومال، ولكن الحكومة الحالية انشغلت بشراء ذمم  أعضاء البرلمان، وتمرير اتفاقات اقتصادية أكثر مما هي أمنية، فيجب أن أذكر مرة أخرى، أن ما قامت به حكومة حسن شيخ في محاربة الشباب في المناطق الوسطى من الصومال، في فترة ديسمبر 2022 حتى يوليو الماضي، أمر يستحق الاشادة، ولكن توقفت الآن عملية محاربة الشباب، دون أن يتم تحرير البلاد من قضية حركة الشباب، لصالح ممارسات زبانئية سياسية.

 يجب أن نشير الأخطاء الاستراتيجية التي تتكرر في كل حقبة سياسية للصومال، لكي لا نكون ضحية لأحداث سياسية تذكرنا بـ"منعطفات أليمة" عشناها في الماضي وأوصلتنا إلى ما نحن عليه.