الجمعة 22 نوفمبر 2024
يتحدى كتاب هانزكونداني الجديد "البياض الأوروبي"Eurowhiteness الدعاوى التي تأسّس عليها الاتحاد الأوروبي، وهي التجارة وحقوق الإنسان وسيادة القانون، مُستكشفًا دور العرق والبياض على وجه التحديد في تاريخ أوروبا.
بينما لا أهتم عادةً بخطابات مسؤولي الاتحاد الأوروبي، وجدتُ نفسي لسبب غريب إلى حد ما أستمعُ، عام 2016، إلى فيديريكا موغيريني؛ رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي آنذاك، وهي تتحدّث في منتدى ثقافي للاتحاد الأوروبي. كان الخطاب عاديًا، لم يثر الكثير من الاهتمام، إذ أعادت سرد تاريخ الاتحاد الأوروبي المُنقّح بعناية، مشيرة إلى معايير اعتماده الاحتوائية، حتى أدلت بملاحظة لفتت انتباهي، عندما أوضحت أن أوروبا تكوّنت من مزيج من التأثيرات المتنوّعة: "اليونانية واليهودية والرومانية والأنجلوسكسونية والمسيحية والعربية واللاتينية والسلافية والفرنسية والألمانية والمتوسطية والإسكندنافية والدينية والعلمانية". وعلى الرغم من أن الكثير مما قالته كان مكررًا تمامًا، فإنَّ اعترافها بدور العرب في التاريخ الأوروبي يبقى مهمًا؛ لأن معظم السياسيين، في ذلك الوقت، رفضوا فكرة تقديم العرب أيَّ مساهمات في التاريخ الأوروبي، ناهيك عن الاعتراف بأنها بناءة، بل جادلوا عمومًا بأنها كانت تمثّل تهديدا.
والواقع أن رؤيتها لأوروبا تبدو غريبة اليوم، عندما تمعن النظر في عواصم القارة. فقد تمركز حزب إخوة إيطاليا Fratelli d'Italia بقيادة جورجيا ميلوني في قصر تشيجي، وهو حزب وصفه الجميع -حتى الراحل سيلفيو برلسكوني- بالـ "فاشي". كما فاز خِيرت فيلدرز "المعادي للإسلام" بأغلبية في البرلمان الهولندي، وكان أوربان في السلطة، في المجر، لأكثر من عقد من الزمان. وباستثناء بولندا التي ابتعدت عن اليمين المتطرّف هذا العام، فإنَّ الأحزاب التي تتبنّى الرؤية المناقضة صراحةً لرؤية موغيريني، إما من خلال تحالف مع الأحزاب الرئيسية، أوالتي تقودها طليعة فاعلة وقوية حاليًا، تسحب معها تلك الأحزاب الرئيسية نحو اليمين. ولسبب وجيه، يجادل الكثيرون بأنّ شيئًا ما قد انحرف.
ولا نعني فقط هانز كونداني، الذي يمكن قراءة كتابه الجديد "البياض الأوروبي" Eurowhiteness من عدة نواح بوصفه نقدًا مباشرًا لفكرة انجراف أوروبا فجأةً إلى اليمين إثر نزوع قومي. إذ يجادل بشكل مقنع بأنّ هذه الأفكار كانت تحوم في الأثير، طوال الوقت، وإن أصبحت أكثر بروزًا في الفترة الأخيرة. ففي العصور الوسطى، كانت لأوروبا علاقة كبيرة ترتبط بحدود المسيحية، لكن في العصر الحديث (الاستعماري إلى ما بعد الاستعمار)، كانت علاقتها الكبيرة بـ"البياض"، هذه حجّةكونداني باختصار. وقد تزامن ظهور البياض و"التداخل" مع ظهور هوية أوروبية متميزة، مرتبطةً بأشكال هرمية من التفكير في العرق، وكما يقول كونداني "كلّما فكّر الأوروبيون في أنفسهم كأوروبيين، اعتبروا أنفسهم أفضل من بقية العالم".
وفي هذا الصدد، يقولإن الاتحاد الأوروبي لم ينجح حقًا في مساعدة أوروبا على التَّطهر من شياطينها القومية، كما تدّعي في كثير من الأحيان. لكنه يقرّ أنّها قد تعلّمت بعض الدروس: فالقومية سيئة، وكذلك النزعة التوسعية، والإبادة الجماعية ينبغي لها ألّا تتكرّر أبدًا. لكن هذه القصص لا تحمل الكثير في جعبتها عن الاستعمار أو العبودية؛ وهكذا، فإن كان من نجاح للاتحاد الأوروبي فيكمن في تحوّله إلى وسيلةً لـ "فقدان الذاكرة الإمبريالية" في أوروبا: مشروع تعويضي مع مجموعة مختارة من الأساطير اللذيذة التي ساعدت القارة على التعافي، من أهوال الحرب العالمية الثانية، مع تجاهل العنصرية المستمرة داخلها، ومغامراتها الاستعمارية في الخارج.
يضيف كونداني أنّه على الرغم من تغيّر الزمن، لم تتغيّر بعض السمات الأساسية للمواقف الأوروبية تجاه العالم؛ لأنها -أوروبا- لم تتعافى حقًا. فبينما كانت أوروبا مسؤولة عن تحويل الوثنيين إلى المسيحية في العصور الوسطى؛ أصبحت لاحقًا مسؤولة عن عملية "النّقل إلى الحضارة" في الحقبة الاستعمارية، مُردفًا: "وفي كلتا الحالتين، كان يُنظر إلى عملية الحضرنة على أنها جيدة، لأولئك الذين كان تجري حضرنتهم: لأنها جلبت لهم الخلاص -في الحالة الأولى- في العصور الوسطى، أو لأنها حدّثهم وطوّرتهم -في الحالة الثانية- في العصور الحديثة". واليوم، ينظر الاتحاد الأوروبي إلى نفسه بوصفه نموذجا للحكم، ويسعى إلى تصدير أفكاره، بينما يحمي حدوده من الدخلاء الخَطِرِين.
نظير إحلاله السلام في أوروبا؛ نال الاتحاد الأوروبي الاعتراف بحصوله على جائزة نوبل للسلام، عام 2012؛ فقد أفلح في منع الحروب داخل قارة كانت تُمزِّق نفسها، في صراعات طائفية أو استعمارية أو إيديولوجية لعدة قرون، وتحقّق ذلك بالإزالة التدريجية للعوائق التي تحول دون التجارة وحرية الحركة داخل أوروبا - ما أسماه يورغن هابرماس "إزالة الحدود"- والالتزام المشترك بحقوق الإنسان وسيادة القانون؛ فرؤية الرّواد الأوائل، أمثال جان مونيه وألْسِيدْ دي جاسبر وكونراد أديناور، تمحورت حول أوروبا عالمية، ملتزمة، وفقًا لمعاهدتها التأسيسية في روما عام 1957، بـ "اتحاد أوثق من أي وقت مضى".
وقد تصوّر أولريش بيك، وهو الآخر مُنظِّر ألماني بارز ورائد فكرة أوروبا العالمية، "أوروبا الاختلاف، -حيث- الاختلاف مقبول ومعترف به"، ولم تعد أوروبا مجموعة من الدول الحذِرة التي تُحدِّق بارتياب بعضها في بعض، وغالبًا ما تتحاسد فيما بينها، بل صارت دولاً ما بعد قومية، عقب تخلّصها من أكثر أمراضها فتكًا. وعلى الرّغم ممّا في هذه القصة من إغراء آسر فعلاً – والجميلة لدرجة تمنّى أن تكون حقيقية –، يجادل كونداني بأن الطريقة الوحيدة للاقتناع بهذه الفكرة هي تجاهل ما هو واضح.
فعلى سبيل المثال، عندما تأسّست النسخة الأولى من الاتحاد الأوروبي، المجموعة الاقتصادية الأوروبية EEC، شملت الجزائر بوصفها جزءًا من فرنسا، وكذلك الأقاليم المُستعمَرة لعدة بلدان أخرى، بما في ذلك بلجيكا وإيطاليا وهولندا. ومع ثورة هذه المستعمرات لأجل الاستقلال، حارب حكّامها الأوروبيون بوحشية في سبيل قمع هذه المشاعر القومية، وهي حقيقة توجّه ضربة خطيرة إلى "القصة المحلية البسيطة والتفاؤلية" حول التكامل السلمي للاتحاد الأوروبي. ويدعو مؤرخ جامعة ييل، تيموثي سنايدر هذه القصة بـ "أسطورة خلق أوروبا الخَطِرَة"، والذي كتب: "بحلول عام 1945، لم تكن القوى الأوروبية قد أدركت بعدُ أن الحرب سيئة؛ فاستمروا في خوض الحروب الاستعمارية حتى خسروها أو اُستنزفوا بسببها، لنتذكّر الهند الصينية وإندونيسيا والجزائر ومصر؛ مالايا وكينيا وأنغولا وغينيا وموزمبيق والصحراء الإسبانية".
إنّ الجماعة الاقتصادية الأوروبية – يستكمل كونداني- كانت في البداية "مساحة إقليمية تمتد من بحر البلطيق إلى الكونغو، وفقط منذ اللحظة التي فقدت فيها بلجيكا وفرنسا بقية مستعمراتهما في إفريقيا، تقلّصت في الواقع بشكل كبير لتشبه أوروبا شارلمان"، مُضيفًا أنّه بعدخسارة الإمبراطورية، تحوّلت أوروبا إلى الداخل، وأصبحت أكثر انغلاقًا، على الرغم من مواصلة فرنسا، على وجه الخصوص، التدخّل في شؤون مستعمراتها السابقة طوال العقود التالية. و نتيجةً لذلك، صار هناك ميلٌ بين الدول الأوروبية إلى النظر لماضيها الفاشي كما لو كان يخصُّ "كيانًا آخر"، والنظر إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه مشروعَ سلام، ينقذهم من أن يكونوا على علاقة بهذا الكيان؛ إسبانيا والبرتغال مثالاً على ذلك. أما ألمانيا فذهبت أبعد من ذلك، بانغماسها العميق والجدي في الهولوكوست، فيما أهملت تقريبًا عمليات الإبادة الجماعية السابقة في ناميبيا.
يقود تتبّع تاريخ هذا الميل للانغلاق إلى النقطة الكامنة في جوهر طرح كوندناني: البياض الأوربي Eurowhiteness، وهو مصطلح يقول إنّه استعارة من عالم الاجتماع الأمريكي جوزيف بوروكز József Böröcz، ويمثّل "تعبيرًا عن الإقليمية التي يجب أن نفكر فيها بدورنا على أنها مماثلة للقومية"، فبينما نجح الاتحاد الأوروبي بالفعل في "إزالة الحدود" داخل أوروبا، لم يواكب هذا التطوّر بروز إنسانية عالمية أوسع، بالرغم من إعادته رسم الحدود الوطنية القديمة على الحدود الجديدة للاتحاد الأوروبي. ويجادل كونداني بأنّ هذه الحدود ذات صلة نفسية كبيرة مع البياض، وإن لم تكتسب مزيدًا من البروز إلّا مؤخرًا.
وقد تسنّمت الأسئلة حول العرق والهوية مكانةً بارزةً، في النصف الثاني من عام 2010، مع ظهور الشعبويين في جميع أنحاء القارة، واستحضار فكرة أوروبا المُتمركزة أكثر حول الأفكار الإثنية والعرقية والثقافية، باعتبارها السمات المميزة لأوروبا. وأعادت بعضُ الشخصيات مثل خِيرت فيلدرز تكييفَها في شكل عنصرية ثقافية بدلاً منها عنصرية قائمة على اللّون، لتكون الثقافة الأوروبية متفوّقة على جميع الثقافات الأخرى. وتزامن هذا التطوّر مع ما عُرف في أوساط الساسة والإعلاميين، في جميع أنحاء أوروبا، باسم "أزمة اللاجئين" التي أثارت المخاوف من جحافل المسلمين الذين يغيّرون التركيبة السكانية لأوروبا، ويهددون "طريقة حياتها" الهشّة.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أوائل السياسيين الكبار الذين استندوا إلى هذه الفكرة في عام 2012، وهو العام الذي فاز فيه الاتحاد الأوروبي بجائزة نوبل للسلام. إذ قال، في تجمّع انتخابي في فيلبنت شمال باريس، إنّ الهجرة غير الشرعية تهدّد بـ "انفجار أوروبا داخليًا"، ودعا الحاضرين للتصويت له من أجل "إنقاذ طريقة الحياة الأوروبية". ولم يقتنع الناخبون الفرنسيون بذلك حينها، وهُزم في نهاية المطاف لصالح فرانسوا هولاند، الذي ترك السلطة لاحقًا لربيبه إيمانويل ماكرون، بعد فترة ولايته الأولى التي قضت على منافسته مارين لوبان. وبينما أُدين ساركوزي بالفساد لاحقًا، احتضن ماكرون، على إثر تغيّرات المد والجزر في أوروبا، هذا العنصرَ من سياسة ساركوزي.
وفجأة أصبح الإسلام، على حد تعبير ماكرون، دينًا في"أزمة في جميع أنحاء العالم"، مُتعهِدًا مثل ساركوزي بحماية الحضارة الأوروبية، وإعادة تأسيسها. ويعلّق كونداني بأن ماكرون "شخصية رئيسية" في هذا التحوّل الصارخ، حيث انجرف بسلاسة إلى اليمين خوفًا من انفجار انتخابي محتمل على أيدي حزب التجمع الوطني الذي تتزعّمه مارين لوبان. وقد أثّر ذلك في أهداف مشاركة ماكرون وأسلوبه في الاتحاد الأوروبي. ففي البداية، كانت رؤية "أوروبا التي تحمي" L’Europe qui protège التي يتبنّاها، تتماشى مع رؤية جاك ديلورز من أجل اتحاد ديمقراطي اجتماعي يحمي اقتصادات أوروبا من استغلال رأس المال العالمي. لكنه اليوم، كما يقول كونداني، يعتقد أن ثقافة أوروبا وهويتها هي التي تحتاج إلى الحماية. وتبنّى جوزيب بوريل، الممثل السامي للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، هذه المخاوف حينما وصف أوروبا بالحديقة والعالم المحيط بها بالغابة. قائلاً بوجه جامد: "يمكن للغابة أن تغزو الحديقة، ويجب على البستانيين حمايتها". ويقدم أوربان؛ أيقونة اليمين المتطرف، ملحمة إيديولوجية مماثلة. وإن كان يذهب يمينًا أبعد من ماكرون.
ونادرًا ما تعكس هذه المحاولات النبيلة، لحماية أوروبا من الكتل الإسلامية المشؤومة سوداء البشرة، المتشبّثة بأطراف أوروبا، المخاطرَ الداخليةَ في أوروبا التي قد تستدعي إلقاء نظرة ثانية. فنجد على سبيل المثال روبرت فيكو، رئيس وزراء سلوفاكيا الجديد، وأحد المعجبين صراحة ببوتين، مُنسجما حقًا مع خِيرت فيلدرز، الذي يريد أيضًا انسحاب هولندا من الاتحاد الأوروبي. وسبق لرئيس المخابرات النمساوي السابق أن حذّر علنًا من ارتباطات حزب الحرية اليميني المتطرف بموسكو. ووسط توقعات متزايدة باحتمالية فوزه بانتخابات 2023، أصدر حزب الحرية شريط فيديو يشيد فيه بالعديد من الفاشيين والنازيين. ناهيك -على الرّغم من كل هذا- عن التهديد الذي يشكّله بعضُ هؤلاء السياسيين وأتباعهم على المجتمعات المسلمة في أوروبا والأشخاص الملوّنين على نطاق أوسع. وقد نمت مسألة الإرهاب اليميني المتطرّف اليوم لدرجة أنّ كلا من الاتحاد الأوروبي والأمم المتّحدة اعترفا بها.
مع ذلك، لا تبدو في الأفق أيُّ تدابير لوقف هذه المسيرة اليمينية المتطرّفة، بل يواصل السياسيون الوسطيون في الحقيقة محاولة الاستيلاء على أفكارها. وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال الخطر الأبرز هو نحن – المسلمين – واللاجئون الفقراء الفارون من النزاعات التي غالباً ما يكون للأوروبيين يدٌ فيها. والسبب في عدم النظر إلى اليمين المتطرّف بوصفه تهديدًا من الحجم نفسه يكمن في أنّه لا يُنظر إليه بوصفه خطرا على هوية أوروبا. فنحن، كما قالت وزيرة المحافظين السابقة سعيدة وارسي في كتابها، "العدو في الداخل".
وكان تأثير هذه السياسة الجديدة محسوساً بشدّة، على السكان المسلمين في أوروبا، المشمولين بقوة ضمن أبعاد هذا التحوّل السياسي، ما انطبق بذات الدرجة على مجتمعات يُنظر إليها تقليدياً على أنها لا تنتمي إلى أوروبا. وينقل كونداني عن سيريل ليونيل روبرت جيمس قوله إنّهم "في أوروبا، لكنهم ليسوا من أوروبا".
ويمثّل الجزء الأكبر من نص كونداني فحصًا نقديًا للتاريخ السياسي والفكري الأوروبي – كاشفًا كيف تخطئ أوروبا بشأن نفسها–، لكنه يحاول في فصله الأخير إيجاد مخرج لبريطانيا ما بعد البريكسيت، الغارقة فيما يسميه أكالا "أنقاض" الإمبراطورية.
وفي حديثها في اتحادأكسفورد، بينما كانت المملكة المتّحدة تستعد للتصويت على قرار الانضمام إلى السوق الأوروبية المشتركة، تحدّثت السياسية العمالية باربرا كاسل عن ضيق الأفق الأوروبي، مُتسائلةً عن نوع "الأممية التي تقول إنّه يجب على هذا البلد من الآن فصاعدًا أن يعطي الأولوية للفرنسي على الهندي، وللألماني على الأسترالي،وللإيطالي على الماليزي؟"، ويسعى كونداني لاستلهام هذا التيار الفكري من اليسار البريطاني، للبدء برسم الطرق الواعدة التي يمكن للمملكة المتّحدة من خلالها إعادة الانخراط اليوم، في ماضيها ما بعد الإمبراطورية، بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وتمثّل فكرة بول جيلروي عن "كآبة ما بعد الاستعمار"، التي لم تنجح بريطانيا في التغلّب عليها -الارتباك الذي عانت منه المملكة المتّحدة بعد إمبراطوريتها المفقودة- الطريقةَ التي يطوّر بها حجته وصولاً إلى خاتمتها. وتعد ذكرى مواجهة النازية الألمانية جزءًا أساسيًا من التاريخ البريطاني، الأمر الذي يعني مزيدا من حقيقة أن بريطانيا والإمبراطورية هي التي قادت هذا النضال، فـ "أروع لحظات" بريطانيا لا تصلح بشكل كافٍ "لأجل الحنين إلى بريطانيا بيضاء"؛ فقد قاتل الهنود والجامايكيون والصوماليون واليمنيون وغيرهم الفيرماخت في أوروبا.
وبمحاولته الابتعاد بمملكة متّحدة أكثر تعددية ثقافية عن أوروبا أكثر تجانسًا وعنصرية، يحاول كتاب كونداني "البياض الأوربي" Eurowhiteness فصل بريكسيت بريطانيا عن نزعة العداء للمهاجرين؛ بتقديم دليل على أن أوروبا قد تكون لديها قضايا أكثر خطورة حول العرق والعنصرية، وأن المملكة المتّحدة في وضع فريد في أوروبا، قد يمكّنها من رسم مستقبل مختلف. فيقود البلاد اليوم رئيس وزراء هندي الأصل، ورئيس وزراء اسكتلندا باكستاني الأصل. وربما يستنتج أن الروح التي حرّكت خطاب موغيريني تعكس الحقائق في المملكة المتّحدة بدرجة أكبر مما تمثل القارة، وحتى يحين الوقت وتنظر أوروبا بجدية أكبر إلى العلاقة بين البياض والأوروبية، فإنها ستتخلّف عن المملكة المتّحدة.
ترجمة مجدي عبدالهادي من النسخة الانجليزية لجيسكا