تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 23 أكتوبر 2024

حوارات

الكفاح من أجل السلام في الصومال: مقابلة مع بول دي ويليامز حول أميسوم

7 فبراير, 2024
الصورة
Amisom
Share

تحدّث الأكاديمي الأمريكي بول دي وليامز  إلى "جيسكا" عن دراسته المفصّلة عن بعثة حفظ السلام الأفريقية "أميسوم"[1]، التي كانت فاعلة في الصومال من 2007 إلى 2022.

 

كانت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (المعروفة اختصاراً ب"أميسوم") أخطر وأكبر عمليات حفظ السلام وأعلاها تكلفةً ب"هامش مُعتبر"، كما وصف بول دي ويليامز في كتابه عن هذه القوات "الكفاح من أجل السلام في الصومال"[2]. يقول ويليامز إن أميسوم أصبحت، بحلول عام 2017، أطول بعثة حفظ سلام في العالم، بقوات قوامها أكثر من 20,000 موجودة في الصومال في أوجها؛ فقد تواجدت القوات لأكثر من عقد. ضمّت البلدان التي ساهمت بالقوات أوغندا وبورندي، وتبعتها جيبوتي وأثيوبيا وكينيا بعدها، والتي كانت مهمتها فصل القوات الأمنية في ربوع الصومال. نشرت سيراليون أيضاً قوات، لفترة وجيزة، في 2013.

في البدء، تكوّنت أميسوم، التي تأسست في 2007 بطلب من الحكومة الاتحادية الانتقالية وقتها، والتي كان يرأسها عبداللّاي يوسف، من قوة أوغندية نُقلت جوّاً إلى مقديشو. كان جوهر البعثة بسيطاً مثل هدفها السامي، وهو نشر الاستقرار في بلدٍ شهد حرباً أهليةً لما يقارب العقدين من الزمان. فشلت كلتا الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، قبل أميسوم، في نشر الاستقرار، لكن نجح اتحاد المحاكم الإسلامية، من بين المبادرات الصومالية، في ذلك نسبياً في مقديشو.

بينما مثّل أمراء الحرب الغاضبين في البداية تحدياتٍ لترسيخ السلام في الصومال، قاد غزو أثيوبيا في 2006 لإزاحة اتحاد المحاكم الإسلامية إلى صعود "الشباب" كمهدد أمني نشط، ذو موارد جيدة وقدرة على التكيّف. استثمر "الشباب" في النزعات المعادية لأثيوبيا وأميسوم لحشد الدعم، وأعلن أميسوم قوة محتلة، وكفّر حلفاءها من الصومال.

قامت أميسوم بحماية الحكومة الصومالية، التي تحسّنت قدراتها وحنكتها بمرور السنين. فقد شاركت أميسوم في عمليات نشر الاستقرار ومكافحة التمرد، مما وسّع، بالتعاون مع القوات الصومالية، من مناطق سيطرتها. يقول ويليامز في كتابه، "تطوّرت أميسوم من قوة تسيطر على مواقع استراتيجية قليلة في مقديشو، إلى تغطية منطقة عمليات شملت جنوب-وسط الصومال بأكمله، الذي يقارب حجم دولة العراق."

نالت أميسوم، بفضل هذه الإنجازات، بعض الاستحسان، إلا أنه تلطّخ بضحايا مدنيّين ومزاعم باعتداءات جنسية. عالج كتاب ويليامز هذه المسألة أيضاً، مناقشاً عقبات الموارد، ما معناه أن مكونات أميسوم من الشرطة والمدنيين، الذين كانوا سيكونون مسؤولين من بروتوكولات حماية المدنيين[3] ، لم يكونوا أولوية، ناهيك عن مسألة عدم امتلاك أميسوم لقواتٍ كافيةٍ. فقد قال له ضابط سابق ذات مرة، "إن قوةً لا تستطيع حماية نفسها من غير المرجح أن تنجح في حماية المدنيين."

انتهى تفويض أميسوم الآن، وواصلت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "أتميس"[4] من حيث توقفت. يتفحّص بول دي ويليامز، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطون، في العاصمة الأمريكية، سجل أميسوم في الصومال في مقابلة مع "جيسكا".

 

فيصل علي: يميل أغلب الناظرين إلى الصومال بعدسة أمنية إلى التركيز على "الشباب"، التي تحوز على اهتمام أكبر عادةً بسبب موضوع  التفجيرات. بي فضولٌ عمّا دفعك إلى كتابة هذه الدراسة عن أميسوم عوضاً عن ذلك، ومعالجتها في كتاب؟

بول ويليامز: كانت أميسوم الخيار الواضح لكتابي، بما أن خبرتي في عمليات حفظ السلام. أصبحت أميسوم أطول وأكبر بعثة للاتحاد الأفريقي وأكثرها تكلفةً ودموية، لذا استحقت اهتماماً بالغاً. أصبحت البعثة أيضاً في أواخر 2000 و2010 مقياساً مهماً لمجموعة أوسع من المناقشات الدولية، بدءاً عن الكيفية التي يمكن أن تقوم بها قواتُ حفظ السلام بمكافحة التمرد والإرهاب، وثانياً عن تحديات ما أسماها الأمين العام للأمم المتحدة ب"شراكات حفظ السلام"[5] ، حيث عمل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سويةً لاستمرار عمليات أميسوم.

فيصل علي: أحد المواضيع التي تتناولها في كتابك هو ما دفع الدول المجاورة للصومال إلى الشروع في هذه المهمة المتهورة والخطيرة_ الأخطر في العالم كما وصفتها_ والتي نجمت عنها تبعات أمنية كبيرة بالنسبة إليهم أيضاً. هل فاجأك أو حيّرك شيءٌ بشأن ما دفع هذه الدول إلى وضع قواتهم في جادة الخطر في الصومال؟

بول ويليامز: انضمت الدول المجاورة للصومال إلى أميسوم في النهاية، وليس من البداية، إذ لم تكن دول التماس من الدول المُساهِمة في أميسوم في أول أربع سنين، بل دولتيْ أوغندا وبورندي. ففي عام 2011 فقط نشرت كينيا وجيبوتي قواتاً مع أميسوم. بالنسبة إلى كينيا، فقد انضمت بعد قيامها في البدء بتدخلٍ أحادي في جنوب الصومال، منفصل عن أميسوم. وانضمت بعض القوات الأثيوبية في النهاية، بنفس الطريقة في 2014، باعتبارها جزءاً من "زيادة مؤقتة"، بعد أن دخلت الصومال للمرة الثانية في نهاية 2011. يشير هذا إلى أن ما دفع كلتا دولتيْ أثيوبيا وكينيا لنشر قواتهما في الأساس هو الأمن القومي، محاولتان التقليل من تهديد "الشباب" في المقام الأول. لكنهم أدركوا أن الانضمام إلى أميسوم سيعزّز الشرعية السياسية لعملياتهم، كما سيوفّر دعماً مالياً ولوجستياً. 

فيصل علي: كيف أثرت مصالح هذه الدول، سيّما حين انتقل مركز الثقل السياسي إلى دول التماس (أثيوبيا وكينيا)، كما لاحظتَ في منتصف 2010، على أهداف أميسوم في الصومال؟

بول ويليامز: لم تؤثر كثيراً في رأيي، فقد ظلت الأهداف الاستراتيجية الأساسية لأميسوم كما هي على نحوٍ لافتٍ منذ نشر القوات في 2007. ركزت البعثة دائماً على حماية السلطات الاتحادية، وإضعاف "الشباب"، بجانب تشجيع الوفاق السياسي. ظلت هذه الأهداف هي الأولويات، رغم تشديد أميسوم لاحقاً أكثر على دعم بناء قوات أمن صومالية. يمكن القول أن أكبر تغيير كان تحوّل أميسوم من بعثة في مدينة واحدة_ مقديشو التي كانت تُديرها أوغندا بكفاءة_ إلى بعثة امتدت لتشمل المساحة الواسعة لجنوب-وسط الصومال، بمعية دول مساهِمة تتمتع بحكم ذاتي أكبر. دفع ذلك أميسوم إلى التحرك واسترجاع المواقع السكانية من "الشباب"، ما أدى إلى تأسيس البعثة لشبكة ضخمة تتكون من 80 قاعدة عمليات. 

فيصل علي: ما هي الانجازات المستدامة في رأيك التي حققتها أميسوم في الجغرافيا السياسية والأمنية في الصومال؟

بول ويليامز:  ثمة سبعة نجاحات أساسية لأميسوم سأشير إليها. أولاً، يسّرت البعثة خروج القوات الأثيوبية من مقديشو مع بداية 2009، وكان ذلك مهماً للغاية، لأنها كانت مصدر الدعم الأكبر للشباب. ثانياً، حققت أميسوم غايتها فيما يتعلق بحماية الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال وقتها من "الشباب". ثالثاً، أزاحت أميسوم، بحلول 2011، القوة الأساسية "للشباب" من مقديشو وضواحيها. رابعاً، استرجعت أميسوم، خلال عاميْ 2012 و2013، عشرات المستوطنات من "الشباب". خامساً، وفّرت أميسوم الدعم لتيسير تأسيس الدول الأعضاء الاتحادية في الصومال. سادساً، وفّرت البعثة حماية للمجتمعات الدبلوماسية في الصومال. سابعاً، لدى أميسوم سجل حافل بمشاركة مرافقها الطبية والمؤن الغذائية والمياه مع السكان المحليين، بجانب المساعدة في تأسيس البنية التحتية من طرق وجسور وبنايات ينتفع منها كل الصوماليين.

فيصل علي: كان أحد التحديات الكبيرة التي واجهتها أميسوم هو سوء سلوك قواتها، الذي تسبب في مقتل مدنيين، الأمر الذي سهّل الدعاية المعادية. كيف تعاملت أميسوم مع هذه التحديات؟

بول ويليامز: أنت محق، فقد أضرّت بعض قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بالمدنيين. كان ذلك في الأساس عبر النيران غير المباشرة والأخطاء في تحديد الهوية، والحوادث المرورية في بعض الأحيان. أُتّهِمَ بعض موظفي الاتحاد الأفريقي كذلك بالاستغلال والاعتداء الجنسي. خلق كل ذلك سمعة سيئة عن البعثة لدى السكان المحليين.

طبّقت البعثة والدول المساهِمة فيها، استجابةً لذلك، اجراءات "انضباط وسلوك" متنوعة، شملت إقامة مجالس تحقيق، حيث قامت أوغندا بمحاكمة عدد قليل من جنودها. غيّرت أميسوم أيضاً من سياسة النيران غير المباشرة وأنشأت "خلية تتبع الضحايا المدنيين والاستجابة لهم"[6] لمراقبة تضرّر المدنيين، رغم أن البعثة نادراً ما قدمت تعويضات للمدنيين. عانت أميسوم عموماً في سرد قصصها الإيجابية وانجازاتها للشعب الصومالي المحلي برمته، وكان جزءاً من ذلك بسبب توظيفها القليل من الموارد في مهارات التواصل الاستراتيجي.

فيصل علي: قلت في إحدى حججك في الكتاب أن المهمة المفوَّضة لقوات حفظ السلام تعقّدت بسبب الفشل السياسي في مقديشو وآثاره المصاحبة على القطاع الأمني الصومالي. كيف حاولت البعثة التعامل مع هذه المشكلة؟ خصوصاً بالأخذ في الاعتبار الأسئلة الحساسة حول السيادة الرسمية لحكومة الصومال؟

بول ويليامز: لا يمكن لبعثات حفظ السلام التحكم فيما تفعله الحكومات المستضيفة، وليس لديها أي تأثير كبير على السياسة المحلية كذلك. لذا، الإجابة المختصرة هي أن البعثة لا تستطيع فعل شيء لإيقاف النزاع الداخلي بين النخب السياسية الصومالية، لكن في مقدورها المحاولة للحد من الضرر فحسب. وأخّرت هذه الخلافات بناء مجموعة مؤهلة من قوات الأمن الوطني للعديد من السنين.

كانت أميسوم عاجزة إلى حد كبير عن إيقاف ذلك، ما أدى إلى فقدان كبير للثقة بين أميسوم والجيش الوطني الصومالي، الذي ترك بدوره أميسوم دون أي شريك موثوق من الأمن المحلي يساعد في نشر الاسقرار في المستوطنات التي أُسترجِعت من "الشباب". استفاد "الشباب" من ذلك، حيث ألّب مجموعة ضد الأخريات، كما استفاد من عدم انشغال القادة المتنازعين في الصومال بهزيمة المسلحين.

فيصل علي: كيف ترى محاولات الفاعلين السياسيين في الصومال لجعل عمليات وأهداف البعثة ملاءمة أكثر لأولوياتها الخاصة؟

بول ويليامز: ترغب كل الحكومات المستضيفة لعمليات السلام أن تتّبع قوات حفظ السلام أولوياتها، وأميسوم ليست إستثناءاً. نظَرت السلطات الاتحادية الصومالية إلى الدور الرئيسي لأميسوم بمثابة أداة عسكرية لاحتواء واضعاف "الشباب". ولم يرغبوا في بعثة بمهام أوسع ومتعددة الأبعاد، وبقوام كبير من الشرطة والمدنيين.

أرادت بعض الإدارات الصومالية أيضاً استخدام جوانب من أميسوم لاضعاف خصومها السياسيين المحليين عوضاً عن "الشباب". العلاقة تحسنت اليوم لحسن الحظ، فلا بد أن يكون هنالك اصطفاف متين بين الحكومة المستضيفة وبعثة حفظ السلام. في حالة أميسوم، ونظراً إلى أنه لم تكن هنالك اطلاقاً عملية سلام بين الحكومة الصومالية و"الشباب"، فمن الواضح أن الاتحاد الأفريقي قد انحاز إلى جانب. كان يعني ذلك عموماً وجود علاقة وطيدة بين مهمة البعثة والأولويات الأمنية للحكومة الصومالية. 

فيصل علي: صرّحت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الصومالية "أتميس"، التي حلّت محل أميسوم، أنها ستركز أكثر على بناء جيش الصومال، مع دعم القوات الصومالية وهي تقود العمليات ضد الشباب. هل تعتقد أن تغيير الأهداف والمنهج العملياتي للبعثة الجديدة يعكس دروساً مُستفادة، أم هل ثمة أكثر من ذلك يمكن التركيز عليه حتى يتسنى للصومال استعادة مسؤوليتها عن أمنها الخاص؟

بول ويليامز: تتأسس أتميس على  الفكرة الصحيحة، وهي أن تنتقل إلى دعم عمليات يقودها الصوماليون، بجانب بناء مجموعة مؤهلة من قوات الأمن الوطني الصومالي. يُعتبر ذلك، في غياب اتفاق سلام مع "الشباب"، استراتيجية الخروج الوحيدة للاتحاد الأفريقي من الصومال. 

لكن ظلّت بعثة الاتحاد الأفريقي، والحرب عامةً، محشورة في مأزق عسكري مع "الشباب" لسبعة سنين. على ذلك، يمكن القول أن المسألة الأساسية التي تواجه أتميس هي إعادة تشكيل وضع قواتها، حتى تتمكن من دعم عمليات هجومية على نحوٍ نشط على حصون "الشباب" الأساسية، لا أن تكون قواتاً ثابتةً إلى حد كبير، منتشرة في العشرات من قواعد العمليات الأمامية البعيدة.


 

[1] The African Union Misson to Somalia (AMISOM)

[2] Fighting for Peace in Somalia

[3] Protection of Civilians (POC) Protovols

[4] African Union Transition Mission in Somalia (ATMIS)

[5] Partnership Peacekeeping 

[6] Civilian Casualties Tracking & Response Cell

ترجمة: عبدالحفيظ محمد