تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 21 نوفمبر 2024

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

في عشية ذكرى الاستقلال الـ 64.. ماذا بقيَ من أحلام الوحدة؟

2 يوليو, 2024
الصورة
ماذا بقيَ من أحلام الوحدة؟
ماذا بقيَ من أحلام الوحدة؟
Share

حلتّ الذكرى الـ 64 لاستقلال صوماليلاند، في 26 يونيو/ حزيران، هذا العام. حصلت المحمية السابقة على استقلالها عام 1960، فيما نال الصومال الإيطالي الاستقلال في الأول من يوليو/ تموز من العام ذاته، بعد انتهاء عهد الوصاية الأممية التي أشرف عليها المستعمر الإيطالي.

تمثّل هذه الذكرى مناسبةً لفتح ملف العلاقات الشائك بين مشروع الفيدرالية وجمهورية صوماليلاند، بعدما حازت الثانية على الاستقلال والاعتراف الدولي قبل الأولى بخمسة أيام، ثم أعلنت الاندماج طواعيةً معها، لتظهر جمهورية الصومال في الأول من يوليو/ تموز عام 1960. ظلت الوحدة قائمة حتى العام 1991، الذي شهد إعلان صوماليلاند استعادة الاستقلال، وتعريف نفسها جمهورية مستقلة، لم تلق الاعتراف من المجتمع الدولي بعد.

ما بعد دولة الوحدة

انهارت دولة الوحدة بعد 31 عامًا من تأسيسها، وافترق مصير الشريكين؛ فغرق جنوب الصومال في الفوضى والحرب الأهلية، التي انتهت بسيطرة أمراء الحرب على العاصمة، وتوزعت سيطرة بقية البلاد على العشائر والجماعات الإسلامية، وصولًا إلى ظهور المحاكم الإسلامية التي قضت على أمراء الحرب. 

أسس نظام المحاكم شكلًا من السلطة العامة، وحقق الكثير من الاستقرار، حتى سقوطه عام 2006، بعد تدخل القوات الإثيوبية لدعم الحكومة الاتحادية الانتقالية، التي تأسست عام 2004، ونالت الاعتراف الدولي باعتبارها ممثل للصومال، ولاحقًا اُستبدلت بالحكومة الفيدرالية، بعد اعتماد الدستور الانتقالي، عام 2012.

خاضت صوماليلاند تجربة مختلفة، بدأت بإعلان استعادة الاستقلال، في مؤتمر برعو عام 1991، ثم مؤتمر بورما 1993، لتبدأ رحلتها بإعادة الإعمار، وبناء مؤسسات دولة تقوم على الفصل بين السلطات الثلاث، لتجني ثمار ذلك بتحقيق استقرار داخلي، وتداول سلمي على السلطة، وفق نظام سياسي يقوم على التقاليد العشائرية والقيم الديمقراطية، وذلك منذ عام 1991، وقد نال ذلك إشادة واسعة من المجتمع الدولي. 

تمرّ العلاقات بين مقديشو وهرجيسا، مع حلول ذكرى الاستقلال الـ 64 للبلدين، بواحدة من أحلك فتراتها، منذ توقيع الثانية مذكرة التفاهم مع إثيوبيا مطلع عام 2024، والتي قضت بمنح إثيوبيا حقّ إقامة قاعدة عسكرية على سواحلها، بنظام تأجير الأرض لمدة خمسين عامًا، وحقّ الوصول إلى مياهها البحرية، مقابل الاعتراف باستقلال صوماليلاند، ومنحها حصة في شركة الطيران أو الاتصالات الإثيوبية.

لا يمكن فصل هذه المذكرة عن سياقها العام، حيث حُرمت صوماليلاند لنحو 33 عامًا من الاعتراف بها دولة مستقلة، رغم تحقيقها لكافة متطلبات الدولة، من حيث توفر مكونات الدولة الأساسية: الشعب والجغرافيا وممارسة السيادة. ومع ذلك، تظل قضية محافظتي "سول" و"سناج" بمثابة خرق في رواية الاستقلال، حيث يتشابه موقفهما في رفض الوحدة مع صوماليلاند، بما فعلته الأخيرة من قبل مع الصومال الجنوبي، وتعتبر قضيتهما واحدة من أبرز محطات الخلاف مع مقديشو.

كان آخر لقاء جمع رئيس الصومال، حسن شيخ محمود، ورئيس صوماليلاند، موسى بيحي عبدي، في جيبوتي، برعاية الرئيس إسماعيل عمر جيله، قبيل يومين من توقيع مذكرة التفاهم السابقة، واتفقا فيه على جملة نقاط، منها، استئناف المفاوضات السياسية مع التركيز على القضايا المصيرية للوصول إلى حل دائم، ووضع خريطة طريق لذلك، وتعيين لجان فنية لتسهيل هذه القضايا، وتنفيذ الاتفاقات السابقة، وتصحيح أخطاء دولة الوحدة ضد المناطق الشمالية في البلاد، والتعاون في المجالات الأمنية ومكافحة الجريمة، والإسهام في إحلال السلام والاستقرار.

ماذا تقدم مقديشو؟

لم يكن يُنتظر من هذا اللقاء الكثير، فقد سبقته تسعة لقاءات في عواصم دولية مختلفة، دون أن ينتج عنها شيء، فأساس الخلاف كامن في إصرار صوماليلاند شعبًا وحكومات على الاستقلال، وإصرار شعب الجنوب وحكومات مقديشو على الوحدة. يرى الطرف الأول أنّ تجربة الوحدة كانت قرارًا حرًّا من قادة الاستقلال، وبنفس المبدأ يحقّ لقادة المنطقة التراجع عنها، خاصة بعد أنّ سقطت دولة الوحدة منذ 33 عامًا.

يتضح أخذا بعين الاعتبار ما دار في الجولات العشر، أنّ مقديشو لم تقدم لهرجيسا ما يطمئنها بشأن شكل الاتحاد الذي تتمسك به، فقد نصّت تلك اللقاءات، بدايةً بلقاء إسطنبول في 2013، على تأسيس مجلس لمراقبة الحركة الجوية، يكون مقره في هرجيسا، وتتكون لجنته الفنية من أربعة أعضاء، اثنين من كل طرف. لم يتحقق ذلك، بعد مرور 11 عامًا، وإن كان تأسيس هذا المجلس سيبعث إشارة حول رغبة مقديشو في شكل جديد من الوحدة، يمنح صوماليلاند مكانة الشريك لا التابع.

من منظور شامل، أوضحت مقديشو رؤيتها لمستقبل صوماليلاند، من خلال الدستور الانتقالي لعام 2012، الذي لم يُشر إلى القضية بتاتًا، واعتبرها ضمنيًا جزءًا من حدود الدولة، بل إنّ هذا الدستور يمهد لتفكيك صوماليلاند، من خلال النصّ على أحقية محافظتين - وفق التقسيم الإداري لما قبل عام 1991 - أو أكثر على تشكيل ولاية فيدرالية. 

لا يُلقي الدستور بشكله الحالي - لا تتطرق التعديلات الجارية لصوماليلاند - اهتماما لأية محادثات بين الجانبين، والأمر ذاته ينطبق على دستور صوماليلاند، وإنّ كانت الدساتير ممكنة التعديل، فإنّ هذه العملية لن تكون يسيرة؛ فلن تقبل الولايات الفيدرالية بأي وضع يمنح صوماليلاند سلطات تفوق ما لهم. من هنا تبدو المقترحات، مثل إقامة "كونفدرالية" بين الجانبين غير واقعية، إذ قد تفتح الباب أمام ولايات مثل: بونتلاند وجوبالاند للمطالبة بنفس الوضعية، فضلًا عن الغموض حول هذا المصطلح، والذي يتطلب أولًا اعتراف مقديشو باستقلال صوماليلاند.

بالإضافة إلى ما سبق، لدى شعب صوماليلاند حجج قانونية وتاريخية وإنسانية، لرفض إعادة الاتحاد مع الصومال الجنوبي، ومن ذلك التهميش وجرائم السلطة التي تعرضت لها المنطقة، خلال عهد حكومات الوحدة. كما أنّ صوماليلاند لن تستفيد كثيرا من الاتحاد مع جنوب الصومال، الذي لا يملك ما يقدمه، سواء من الناحية الاقتصادية والمادية والسياسية. 

يقدم النظام السياسي بين البلدين مثالًا على عجز مقديشو عن تقديم مزايا لإقناع هرجيسا بالعودة إلى الوحدة، ففي الجنوب تم اعتماد النظام العشائري المعروف بـ 4.5 - تم تعديل الدستور في 2024، ولم يُطبق بعد - والذي مُنحت بموجبه صوماليلاند حصصا من المقاعد في البرلمان الفيدرالي؛ مجلس النواب والشيوخ، إسوةً ببقية الولايات، على أنّ يقوم مندوبون من العشائر باختيار هؤلاء النواب. فيما أقرّت صوماليلاند نظاما انتخابيا يمنح المواطنين حقّ الترشح والتصويت المباشر، منذ عام 2002، وهو الأمر الذي لا تزال مقديشو عاجزة عن تحقيقه.

خيار الدولتين 

بناءً على ما سبق، يبدو الاعتراف باستقلال صوماليلاند أقرب للمنطق، أخذا بعين الاعتبار عدة عوامل، أولها؛ عدم وجود تشابك مالي ومؤسسي بين المنطقتين، يتطلب فكه فترات انتقالية، خاصة بعد إعفاء الصومال من معظم الديون، وكذا ممارسة صوماليلاند كامل سلطات الدولة، منذ عقود على جغرافيا لها حدود تاريخية، باستثناء قضية "سول وسناج"، لا توجد عوائق كبيرة أمام الاعتراف بالاستقلال.

فيما يتعلق بمذكرة التفاهم مع إثيوبيا، فعكس الشائع لا تعتبر إثيوبيا بمثابة "العدو" لجنوب الصومال على المستوى السياسي، حيث تقيم ولايات مثل: بونتلاند وجوبالاند وجنوب الغرب علاقات قوية معها. يُضاف إلى ذلك، أنّ حسن شيخ أدلى بتصريحات فحواها عدم إنكار حقّ إثيوبيا في الوصول إلى البحر بشكل عام. لكنه رفض الطريقة "غير القانونية" لذلك، في إشارة إلى مذكرة التفاهم، دون أن ينفي ذلك أنّ الجو العام في الجنوب يعتبر إثيوبيا العدو التاريخي على المستوى الشعبي، خاصة بعد تدخلها العسكري عام 2006.

إجمالًا، تمثّل ذكرى الاستقلال، الذي ظهرت بموجبه دولتان مُعترف بهما؛ الصومال وصوماليلاند، فرصةً لاستئناف الحوار لحلّ القضايا العالقة، شريطةً أنّ يكون الحكم هو حقّ تقرير المصير. وتبدو مقديشو مستعدةً لترضية إثيوبيا مقابل انسحاب الأخيرة من مذكرة التفاهم، وفي سبيل ذلك استجاب وزير خارجيتها لعقد لقاء مع نظيره الإثيوبي بدعوة من وزير الخارجية التركي، وشاركا في لقاء غير مباشر مطلع تموز/ يوليو الجاري، في أنقرة. لكن اللقاء أخفق في التوصل إلى أي اختراق، بسبب تمسك مقديشو بانسحاب أديس أبابا من مذكرة التفاهم، قبيل عقد المفاوضات، وهو ما يرجح أنّ الأولى رضخت لضغوط من تركيا، التي لا تريد خسارة البلدين، ولهذا أعلنت عن لقاء ثان في أيلول/ سبتمبر المقبل.

ختامًا، إنّ بقاء الوضع كما هو عليه، دون معالجة حقيقية لمطلب شعب صوماليلاند في الاستقلال، سيظل عاملًا مثيرًا للاضطرابات في القرن الأفريقي، وقد يدفع التجاهل الدولي لهذا المطلب بالمنطقة إلى مزيد من التأزم، وربما يكون الأجدى وجود دولتين، كما كانتا عشية الاستقلال، تجمعهما علاقات تعاون مبنية على حسن الجوار والهوية الثقافية المشتركة، بدلًا من التمسك بتكرار تجربة الوحدة التي سبق وأثبتت عدم جدواها.