الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
متى ستُعقد انتخابات برلمانات ورئاسات الولايات؟ هذا السؤال الذي يشغل بال الصوماليين، وستحدد إجابته الطريق الذي سيمضي فيه مشروع تعديل الدستور، بعدما تبناه الرئيس حسن شيخ محمود. ولم يخرج اجتماع المجلس الاستشاري الوطني الذي غاب عنه رئيس ولاية بونتلاند بقرار حول تلك القضية، التي توقع الجميع أن تكون على رأس جدول أعماله.
مع ذلك، فمن الجلي أنّ القضية كانت محور الاجتماع، وما غياب بيان رسمي بشأنها إلا بيان في حد ذاته، حول التوافق بين الرئيس وقادة الولايات على التمديد، والسؤال هنا إلى متى سيكون ذلك؟
تفاهمات الرؤساء الخمسة
كان من المفترض، بحسب اتفاق المجلس الاستشاري الوطني (NCC) قبل عام في مايو/ أيار 2023، والذي حضرته نفس الشخصيات التي حضرت الاجتماع الأخير، أنّ تُعقد انتخابات برلمانات ورؤساء الولايات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 المقبل؛ أي بعد خمسة أشهر. وتمهيدًا لها يفترض كذلك المضي قدمًا في تنفيذ خطوات تمهيدية تم التوافق بشأنها، في اتفاق 2023، أولها إجراء الانتخابات المحلية في يونيو/ حزيران 2024، وبناءًا على نتائجها يُحدد الحزبين - لاحقًا عُدلت لثلاثة أحزاب - اللذين سيكون لهما الحقّ الحصري في التنافس على انتخابات برلمانات الولايات ورئاسة الولايات، ثم التنافس على البرلمان والرئاسة على المستوى الفيدرالي.
بموجب هذا الاتفاق مُنح أحمد محمد إسلام "مدوبي"، رئيس ولاية جوبالاند، تمديدًا لولايته التي انتهت في أغسطس/ آب 2023، ومُنح عبد العزيز حسن محمد "لفتاغرين"، رئيس ولاية جنوب الغرب، تمديدًا أطول بعد انتهاء ولايته، في ديسمبر/ كانون الأول 2022، ومُنح أحمد عبدي كاريه "قور قور"، رئيس ولاية غلمدغ، تمديدًا في ولايته التي انتهت في فبراير/ شباط 2024. بينما ستنتهي ولاية علي عبد الرحمن "غودلاوي"، رئيس ولاية هرشبيلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ليكون الوحيد من بين رؤساء الولايات المؤيدين لحسن شيخ الذي لا تزال لديه الشرعية لحضور اجتماعات المجلس الاستشاري الوطني.
خلال اجتماع المجلس الأخير، تم التوافق على عدة نقاط، وهي: تعزيز الأمن، ومكافحة حركة الشباب، واستكمال مراجعة الدستور، وتعزيز الديمقراطية والقضايا الإنسانية، دون أن يُشير البيان الختامي إلى شيء بخصوص تنظيم الانتخابات المحلية، والتي ستفرز الأحزاب السياسية الثلاثة، كما نصّت على ذلك الفصول الأربعة المُعدلة في الدستور، والتي مررها البرلمان الفيدرالي.
من بين الاختلافات التي أُقرت في التعديلات عن اتفاق المجلس الاستشاري، العام الماضي، استبدال مقترح "رئيس ونائب رئيس" بالإبقاء على منصب رئيس الوزراء مع نزع صلاحياته، وإسناد تعيينه وعزله إلى رئيس الجمهورية. وكان التغيير الثاني متربطا بزيادة عدد الأحزاب التي سيُعترف بها، ويُسمح لها بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، إلى ثلاثة بدلًا من حزبين.
الجميع رابحون
كان بإمكان الرئيس حسن شيخ إلزام رؤساء الولايات الأربع، بتنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية على المستوى الإقليمي، في مواعيدها المستحقة أو في موعد واحد، وفق النظام الانتخابي العشائري المعروف بـ (4.5). لكن طرح مشروعه المثير للجدل بشأن التعديلات الدستورية، أفقده هذه القوة. فقد بدأ حسن شيخ مشروعه بحشد قادة الولايات الأربع إلى جانبه، في صفقة تضمنت التمديد لهم في مناصبهم في مخالفة للدستور ودساتير الولايات، مقابل الحصول على دعمهم لتمرير مشروعه السياسي، الذي يضمن له البقاء في السلطة لفترة جديدة على الأقل.
يقول الناشط السياسي، ليبان قاسم، حول مخرجات اجتماع المجلس الاستشاري الوطني الأخير، إنّها لم تزد عن كونها اتفاقا سطحيا، لم يأت بأي نتيجة، سوى الاستمرار في التوافق العلني، مع إهمال أهم قضية، وهي "انتخابات الولايات"، وتصديرها لفترات لاحقة لعدة أسباب. ويتابع لـ"جيسكا" أنّ أولها، أنّ الطرفين لديهما ما يخشونه تجاه بعضهم البعض، فرؤساء الولايات لا يريدون التصادم مع الرئيس، لأنهم يريدون البقاء في مناصبهم. كما أنهم يعتمدون على مقديشو ماليًا في ميزانياتهم، فهم ليسوا مستقلين ماليًا وقادرين مثل ولاية بونتلاند.
يوضح أن الرئيس قطع المدفوعات عن بونتلاند، وأوقف كل المشاريع التي كانت تنفذها الهيئات الدولية فيها، بسبب الخلافات بينهما، وهذا ما لا تطيقه بقية الولايات، التي لا تتمتع بأي دخل محلي. ويعقب بأنّ حسن شيخ من ناحيته، لا يريد التصادم مع رؤساء الولايات - على الأقل في الوقت الراهن -، لأن هذا سيرهقه، وسيقوي عضد بونتلاند وكذا المعارضة، وخسارته لبقية الولايات سيعطي صورة سلبية داخليًا وخارجيًا، وأهمها أنّه فشل في تحقيق التوافق الداخلي، وهو الذي رفع شعار "صومال متصالح مع نفسه ومع العالم".
يذهب الناشط السياسي أحمد شرعي بدوره، إلى أنّ حسن شيخ فقد فرصته لإجراء انتخابات رئاسات الولايات، حين سمح لهم بالتمديد، مقابل دعمه في مشروعه السياسي. ويقول لـ"جيسكا" إنّ حسن شيخ بمثابة "سمسار" سياسة، يريد تغيير الدستور من أجل تزوير الانتخابات الرئاسية، التي ستُجرى وفق الاقتراع العام المباشر، لخوفه من الخسارة متى كانت الانتخابات عبر البرلمان، وهو أمر تدركه المعارضة، على حسب قوله، لذا ترفض التعديلات الدستورية.
يضيف، أنّ حسن شيخ لن يعقد الانتخابات إلا وفق التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان، ولتحقيق ذلك يحتاج إلى عقد الانتخابات المحلية، لتحديد الأحزاب الثلاثة التي ستتنافس على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، على المستويين الإقليمي والفيدرالي. وهذا يتطلب تعاون رؤساء الولايات معه، ما يجعله مُجبرا على إرضائهم. وينوه، بأنّ مدوبي ولفتاغرين يدركون أنّ حسن شيخ في موقف ضعيف، في ظل معارضة سعيد دني له، ونفوذ إثيوبيا في جنوب الغرب، والنفوذ الكيني في جوبالاند.
سيناريوهات التمديد
يرى الناشط شرعي أنّ التمديد لرؤساء الولايات سيكون على الأقل لمدة عام، يعقبه اجتماع جديد سيتم التجديد فيه لعام آخر. ولكن هناك عقبات تواجه حسن شيخ فيما يتعلق بولايتي هرشبيلي وغلمدغ. ويوضح بأنّ قادة كبار في حزبه "UPD" يرغبون في الحلول مكان رئيسي الولايتين. ويتوقع بأنّ ينضم مدوبي ولفتاغرين إلى حزب حسن شيخ، ويخوض الثلاثة الانتخابات على المستويين الفيدرالي والإقليمي، لافتًا إلى أنّ التمهيد لعقد الانتخابات المحلية قد يبدأ نهاية العام الجاري، وفق نظام الانتخاب المباشر.
في الأثناء، يقول الناشط قاسم ليبان، إنّ "هناك تمديدًا مفتوحًا لرؤساء الولايات، مقابل عدم تعقيد اجتماع المجلس التشاوري، وإعلان تأييد التعديلات الدستورية، وهو ما حدث، حيث كان ذلك من أهم مخرجات الاجتماع الأخير".
من الجلي أنّ اجتماع المجلس الاستشاري الوطني جاء بعد صفقة غير معلنة بين الرئيس ورؤساء الولايات الأربع، حيث كان الاجتماع مقررًا في 20 أبريل/ نيسان الماضي. لكنه تأجل لأسباب قيل إنّها "فنية". وبعد خمسة أيام على التأجيل، صدر بيان عن "فيلا صوماليا"، جاء فيه: "الحكومة الفيدرالية بذلت الكثير من الجهد لتحسين علاقة التعاون بينها وبين جميع الحكومات الإقليمية، وخاصة بونتلاند، حتى تصبح علاقة قانونية، تقوم على مصلحة الشعب والبلد".
من الراجح، أن حسن شيخ قدم ثمنًا، متمثلًا في التمديد المفتوح لرؤساء الولايات، في سبيل عقد الاجتماع، والتزام هؤلاء الأربع بالتعديلات الدستورية. يقول قاسم: "طريقة حسن شيخ السياسية مع الولايات هي المُضي في المتفق عليه، وإخفاء المُختلف فيه". ويشدد على، أنّ حسن شيخ لن يتراجع عن عقد انتخابات شعبية، ولن يقبل بالذهاب إلى خيمة "أفسيوني". كما أن غياب المتطلبات الأمنية والسياسية واللوجستية والفنية لتنظيم الانتخابات المباشرة، سوف تبقي حسن شيخ في السلطة حتى عام 2027، وهو تمديد تقني مفتوح بلسان الحال.
بناءً على ما سبق، فالسيناريو المرجح للتأجيل هو حتى عام 2027، لأنّ التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان تضمنت مدّ ولاية الرئيس والبرلمان إلى خمسة أعوام بدلًا من أربعة، وهو المطلب الذي صرح به البرلمان الفيدرالي، في مارس/ آذار العام الماضي، قبل إقرار التعديلات الدستورية. وتبعًا لذلك، من المتوقع أنّ يُمدد البرلمان الفيدرالي ولايته، وولاية الرئيس حسن شيخ، لتنتهي في 2027 بدلًا من عام 2026، وعلى الأغلب سيطالب رؤساء الولايات بنفس التمديد.
يبقى تحقيق هذا السيناريو رهين بثلاثة عوامل، الأول؛ استمرار التوافق بين حسن شيخ ورؤساء الولايات الأربع (جوبالاند وجنوب الغرب وهرشبيلي وغلمدغ). والثاني؛ مدى قدرة الحكومة على استيعاب ردة فعل المعارضة، بقيادة بونتلاند والرؤساء السابقين. والثالث؛ مساحة المناورة المتاحة أمام حسن شيخ في مواجهة المانحين الدوليين، الذين يحتاجهم لتمويل موازنة الحكومة، ولإيجاد بديل لقوات بعثة "أتميس"، التي ستخرج من البلاد بنهاية العام الجاري، وفق ما هو مقرر.
ختامًا، تحمل خطط الرئيس حسن شيخ مخاطرا كبيرة على الاستقرار الهش في البلاد، التي تعيش مستويات متعددة من الصراعات السياسية والتحديات الأمنية، على المستويات الفيدرالية والإقليمية والمحلية، ما يخلق حالة من السيولة والهشاشة، التي ستسعى كافة أطراف الصراع لاستغلالها لتحقيق مصالحها.