تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 20 سبتمبر 2024

رأي

حركة الشباب هي فقط إحدى أعراض مأساة الصومال

3 أبريل, 2024
الصورة
Askari
Askari Soomaaliyeed oo Danab ka tirsan oo ku jira hawlgal ka dhan ah argagaxisada (Sawirka: Petty Officer 1st Class Patrick/AFRICOM
Share

منذ 14 عامًا على الأقل، ظلت حركة الشباب المسلحة ترهب المنطقة الجنوبية من الصومال. طموحها هو فرض ديكتاتورية استبدادية على البلد كله من خلال الخوف والوحشية. ولتحقيق أهدافها، سعت إلى الإطاحة بالحكومة الصومالية وحلفائها العسكريين الأجانب.

لقد درست الاقتصاد السياسي الصومالي لأكثر من ثلاثة عقود وتوقعت انهيار الدولة الصومالية والنظام السياسي قبل 33 عامًا بكل ما سيترتب عليه من أوضاع بائسة يعاني منها الصوماليون منذ ذلك الحين، الكارثة السياسية والإنسانية سبقت ظهور الجماعة الإرهابية بصورة تؤكد أن حركة الشباب هي أحد أعراض محنة الصومال وليست سببًا لها.

هناك قوتان رئيسيتان مسؤولتان عن الكارثة في الصومال، إحداهما تتمثل في الفصيل المهيمن من الطبقة السياسية الصومالية وهم الجناة الحقيقيون، أجندتهم تنحصر في الوصول إلى السلطة ونهب موارد البلاد لتحقيق مكاسب خاصة. والأخرى هي المجتمع الدولي شركاء هذه الطبقة السياسية الصومالية، وبناءً على ملاحظاتي يخشى ممثلو الحكومات الغربية والأفريقية من أن الصومال قد تصبح قاعدة "للإرهابيين" بشكل ربما يزعزع الاستقرار الاستراتيجي في القرن الأفريقي، لكنهم غير مستعدين للتعامل مع الصوماليين المستقلين والمدنيين.

يرى معظم المغتربين الذين قابلتهم أثناء دراستي وتفاعلت معهم خلال أنشطتي المدنية أن "العشائرية" هي الجوهر السياسي المميز للصومال، تعود هذه النظرة إلى الحقبة الاستعمارية عندما قسم المستعمرون الأفارقة إلى معسكرات عرقية لتفريق شملهم والسيطرة عليهم، وانبثق عن ذلك زواج مصلحة غريب بين الطبقة السياسية الصومالية والسلك الدبلوماسي يتظاهر خلاله الطرفان بوجود تقدم تم إحرازه، لكن الحقيقة هي أنه لم يتم إحراز أي تقدم يذكر في إصلاح الفوضى السياسية، ولم يتم عمل الكثير لتلبية الاحتياجات الإنسانية والإنمائية الملحة للبلاد.

من المحتمل أن تُهزم الجماعة الإرهابية يومًا ما، لكن لا توجد دلائل على أن النخبة السياسية مستعدة للتغيير أو قادرة على التغيير لو لم يحدث تحول جذري في الضغط الدولي أو الإرادة الشعبية، للأسف قد تتفاقم المأساة لعقود حتى مع زوال حركة الشباب.

 

حاضنة حركة الشباب
سعى القادة الصوماليون في إفريقيا للحكم الديمقراطي منذ العقد الأول للاستقلال من خلال احترام سيادة القانون واستقلال المؤسسات العامة والشروط الانتخابية. ومع ذلك كان أول رئيس للصومال - آدم عبد الله عثمان - قلقًا للغاية بشأن سلوك شريحة من الطبقة السياسية، وقد سجل مخاوفه في مذكراته في 5 يوليو 1964:
"حفظ الله الصوماليين من الوحوش البشرية القذرة التي تتزيا بزي ممثلي الشعب."

انتهى المشروع الديمقراطي عندما قام أولئك الذين هزموا الرئيس عثمان في انتخابات عام 1967 بتحويل البلاد إلى شبه دولة ذات حزب واحد، وأدت الفوضى التي أحدثوها إلى مقتل الرئيس عبد الرشيد شرماركي على يد أحد حراسه الشخصيين في عام 1969. استولى الجيش بسرعة على السلطة، ومنع العودة إلى نظام حكم تمثيلي يخضع للمساءلة لمدة 21 عامًا.

بعد نصف عقد في السلطة تسببت الديكتاتورية بازدياد نفوذ القبيلة في السلطة العامة، أصبحت الخدمة المدنية والترقيات في الجيش والوصول إلى موارد الدولة مرتبطة بالانتماء القبلي للفرد أو الولاء للنظام. حذت المعارضة حذو السلطة حيث واجهت الديكتاتورية العسكرية معارضة سياسية مسلحة مشتتة ذات نفس عشائري من أواخر السبعينيات إلى التسعينيات، وتحولت الدولة إلى نظام إرهابي يعاقب مجتمعات بأكملها ويدمر مدنا بسبب انتماء سكانها العشائري، كان هذا قبل فترة طويلة من صعود حركة الشباب.

انهار النظام العسكري في يناير 1991 ، لكن جماعات المعارضة فشلت في الاتفاق على أجندة مدنية مشتركة، وكان حزب المؤتمر الصومالي الموحد - أكثر الجماعات المعارضة نشاطا في مقديشو - هو من أطاح بالديكتاتور. وكان من نتائج إراقة الدماء بين الفصائل التي أعقبت ذلك تدمير سبل العيش وإحداث أول مجاعة في البلاد منذ الاستقلال عام 1960، وكان هذا أيضا قبل وقت طويل من ظهور حركة الشباب في الأفق.

حل أمراء الحرب والإقطاعيات السياسية القبلية محل الديكتاتورية، وغادر الكثير من النخبة المتعلمة لخارج البلاد، وتمت "بلقنة" البلد والمجتمع وإفقار الجميع باستثناء أقلية سيطرت على وسائل ممارسة العنف، وارتفعت الأمية بشكل كبير وتدهورت الحالة الصحية للسكان مما حرم الغالبية الشابة من مستقبل مزهر. معظم سكان البلاد الحاليين وُلدوا بعد سقوط الجيش لذا فقلة منهم يعرفون كيف تبدو السياسة والقيادة المدنية، مما جعلهم بيادق سهلة للنخبة التي تفكر بمنطق عشائري.

استغرق الأمر ما يقرب من 16 عاما لمجموعة دينية معروفة باسم اتحاد المحاكم الإسلامية لهزيمة أمراء الحرب، منح هذا الحدث الشعب أملا بأنه سيتم استعادة نظام سلطة شامل وخاضع للمساءلة، لكن أمريكا وحلفاءها الإقليميين انزعجوا من احتمال وجود موطئ قدم "إسلامي" في القرن الأفريقي. ونتيجة لذلك؛ غزت إثيوبيا الصومال وقامت بتنصيب حكومة اتحادية عشائرية صومالية في مقديشو تشكلت في نيروبي، انهار اتحاد المحاكم الإسلامية وتشظى لوحدات أصغر تتبنى تكتيكات حرب العصابات وقاومت الغزو بنجاح.

أدركت أمريكا وحلفاؤها أن الاحتلال الإثيوبي كان محكوما عليه بالفشل، وبالتالي قاموا بتكريس الانقسام بين اتحاد المحاكم الإسلامية بطريقة أدَّت في النهاية إلى ولادة حركة الشباب كتنظيم مستقل يسعى للانتقام من حلفائه السابقين وكذلك الداعمين الغربيين للحكومات الصومالية بل وأي شخص يعارضهم.

 

حلف الشيطان
إن حركة الشباب ليست سوى أبسط مظهر لتداعيات 50 عاما من الإيديولوجية السياسية الإقصائية والقيادة غير الكفؤة، تشير التقديرات إلى أن قوة الدفاع الصومالية يبلغ قوامها نحو 20 ألف جندي لكن عوامل عدة حالت دون خوض التحدي ضد ميليشيات الشباب، يقع اللوم هنا جزئيا على الافتقار للموارد اللازمة والقيادة الجيدة.

المشكلة الأخرى هي الأهمية المعطاة للهوية القبلية على الوطنية والكفاءة في تسيير القوة الوطنية. بالإضافة إلى ذلك؛ تمتلك المقاطعات العشائرية قواتها المسلحة لأنها لا تثق في الحكومة الفيدرالية ولا في بعضها البعض. أخيرا؛ تخضع الصومال لحظر استيراد السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل ما يقرب من ثلاثة عقود والذي حد من قدرة الحكومة الصومالية على مواصلة الحرب ضد حركة الشباب.

لم تتعلم القيادة الحاكمة الحالية أي درس من إخفاقات الماضي، فالنظام يستخدم وكالة الأمن القومي لشيطنة مجتمع الأعمال بذريعة محاربة حركة الشباب، وقام بحشد ميليشيات عشائرية في القتال، هذه الأساليب تؤدي إلى تعميق الانقسامات بين الصوماليين في وقت ينبغي فيه على النظام توحيد الشعب من أجل قضية مشتركة. ختاما؛ انتهاج مثل هذه الاستراتيجية لتأسيس نظام مدني شامل لما بعد حركة الشباب لا يبشر بخير.