تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 17 مايو 2024

سياسة

جدل بشأن حصر الأحزاب السياسية في الصومال

20 أبريل, 2024
الصورة
somalia
(تصوير أبوبكر محمد محي الدين/ وكالة الأناضول عبر Getty Images)
Share

يعرف العالم صنفين من الحياة الحزبية؛ التعددية أو الحزب الواحد. تعتبر التعددية الحزبية أقدم بكثير من نظام الحزب الواحد الذي خرج من رحم الأنظمة الاشتراكية والشيوعية التي أرادت تنظيم المجتمع في كيان سياسي واحد.

ورغم إخفاق وتخلي الدول عن النظام الاشتراكي في الاقتصاد إلا أنّ العديد من الدول ما زالت تعمل وفق النظرية الشيوعية السياسية فيما يتعلق بالحزب الواحد مثل الصين وكوريا الشمالية وغير ذلك.

بينما نشأت التعددية الحزبية من قيم الليبرالية الغربية، والتي ترى في إنشاء الأحزاب السياسية حقّ من حقوقّ المواطنين، وهو النموذج الأكثر شيوعاً في العالم.

وبين هذا وذاك توجد التعددية السياسية على الطريقة الصومالية، والتي ترتبط بالمكون السكاني الصومالي بشكل عام وليس بجمهورية الصومال الفيدرالية، حيث كانت جيبوتي أول من ابتكرت هذه التعددية السياسية، وإن كانت صورية، ثم جاءت صوماليلاند بعدها، وتبعتها بونتلاند، وأخيرًا الحكومة الفيدرالية في مقديشو.

 

ثلاثة أحزاب 

وفق التعديلات الدستورية التي أقرّها البرلمان الفيدرالي الصومالي نهاية مارس/آذار الماضي، ستنتقل البلاد من النظام السياسي العشائري المعروف باسم (4.5) في الانتخابات، إلى نظام الاقتراع العام السري المباشر والمعروف باسم "صوت واحد لشخص واحد".

استندت تلك التعديلات التي تُعرف بعملية مراجعة الفصول الأربعة الأولى من الدستور إلى اتفاقية المجلس الاستشاري الوطني (NCC) في اجتماعه في مايو/أيار 2023. جاء في الاتفاقية "من أجل مواءمة انتخابات جمهورية الصومال الفيدرالية، ستتبنى البلاد نظام رئيس ونائب رئيس. وسينتخب الرئيس ونائب الرئيس في اقتراع واحد، على أساس التعددية الحزبية". 

وتبنت عملية المراجعة ما صرح به الرئيس حسن شيخ محمود من "الاعتراف بحزبين سياسيين فقط"، قبل أنّ ترفع العدد إلى "ثلاثة" أحزاب خلال النقاشات التي شهدها البرلمان الفيدرالي بغرفتيه؛ مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

بحسب النسخة المنشورة باللغة الصومالية للفصول المُعدلة بعد إقرارها من البرلمان الفيدرالي، ستكون كافة الانتخابات في وفق النظام الانتخابي المباشر، بما يشمل انتخابات رئاسة الدولة (الرئيس ونائبه) والبرلمان الفيدرالي بغرفتيه ورؤساء الولايات ونوابهم والبرلمانات الإقليمية والمجالس البلدية التي تتضمن رؤساء المجالس والعمد في المدن. 

وفي شأن التعددية الحزبية جاء ما يلي، في الصفحة رقم (60) من نسخة التعديلات التي نشرتها اللجنة المستقلة لمراجعة وتنفيذ الدستور، تقول الفقرة رقم (9) "حصر عدد الأحزاب السياسية في ثلاثة أحزاب". وتضمنت التعديلات إشارات عامة إلى الفقرات المستحدثة، على أنّ تصدر العديد من القوانين واللوائح والضوابط تباعًا من خلال مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي بشأن الانتخابات والأحزاب وما سيستجد في عملية مراجعة الدستور.

جدير بالذكر أنّ الفصل الرابع في الدستور الانتقالي أشار إلى الأحزاب السياسية في المادة (47) وفيها "القوانين المتعلقة بالأحزاب وتسجيلها، والانتخابات على مستوى الدولة الفيدرالية، واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، سيتم تحديدها بقوانين خاصة يصدرها مجلس الشعب في البرلمان الفيدرالي".

ومنذ إقرار هذا الدستور في العام 2012 وحتى اليوم لم تصدر قوانين بشأن الحياة الحزبية على المستوى الفيدرالي في البلاد، ولم تُنشأ لجنة أو هيئة مستقلة لتسجيلها، بينما قامت لجنة الانتخابات المستقلة بمهمة تسجيل وشطب الأحزاب السياسية. 

سجلت اللجنة نحو 16 حزبًا تقريبًا حتى مطلع العام 2019، من خلال إصدار شهادات بالاعتراف بالأحزاب التي تتقدم بطلب ذلك إلى اللجنة وتستوفي الشروط التي تحددها، علمًا أنّ تلك الشروط لا يوجد قانون ينظمها.

 

رفض واسع

يعلق رئيس حزب "حلقرن" تحت التأسيس، محمد معلم علي، على التعديلات الجديدة بقوله إنّ "قصر الأحزاب السياسية على ثلاثة أحزاب أمر غير مقبولٍ". 

يضيف لـ"جيسكا" أنّ هناك غموض حول كيفية تحديد تلك الأحزاب، وخلاف حول تلك التعديلات. ولا يتوقع أنّ تنجح خطة الرئيس في إقرار الدستور الجديد، ويحذر من تعميق الانقسامات وإثارة الصراعات، وفق قوله.

يقول معلم علي "نحن كأحزاب معارضة نريد العودة إلى مفاوضات غير مشروطة، لتجنب العودة إلى ما تعافينا منه سابقًا".

بدوره يرى العضو في حزب "تناد للتنمية الإنسانية" تحت التأسيس، عمر الشيخ نور سيد علي، أنّ التعديلات الدستورية المطروحة ليست جديدة، بل هي خطة ترويجية للحكومات ضمن مشاريعها الانتخابية. 

ويوضح لـ"جيسكا" أنّ الرئيس حسن شيخ تجرأ على تعديل الدستور وهو أمر كان من الممكن تأجيله في وقت تحتاج فيه البلاد إلى الانتهاء من القضايا ذات الأولوية.

وحول تحديد عدد الأحزاب، يذهب سيد علي إلى أنّ التحديد ليس المشكلة، وإنما القضية الأساسية هي ضرورة التوافق عل القضايا العامة، ويشير إلى أنّ الجانب الإيجابي في تحديد عدد الأحزاب هو تحجيم الفوضى في الحياة الحزبية، بينما سلبيات ذلك أنّها ستكون أداة بيد السلطة تستخدمها لاستمرار بقائها.

تبقى قضية مستقبل تلك التعديلات وعملية مراجعة الدستور بشكل عام مفتوحة أمام سيناريوهات عديدة، لكن ما يُهم هو بحث قضية الأحزاب الثلاثة، التي تطرح أسئلة عديدة.منها: لماذا التحديد؟ وكيف ستُنظم عملية اختيار تلك الأحزاب؟ وما هي تبعات ذلك؟ وإلى مدى ستُطبق تلك التعددية الثلاثية؟

يقول القانوني والعضو السابق في مجلس القضاء الأعلى في بونتلاند، محمد عمر، "لا أدري إذا كان هناك رؤية أو فلسفة وراء هذا العدد بالتحديد". ويتابع بأنّ تجربة التعددية الحزبية في الستينيات أدت إلى وجود أكثر من 70 حزبًا، ولهذا ربما يُراد من التحديد قطع الطريق على التكاثر والانقسامات في الحياة الحزبية، بما يؤدي للاستقرار.

يضيف أنّه إلى جانب مسألة عدد الأحزاب، فهناك موضوع هام وهو الوزن الذي ستعطيه قوانين الانتخابات للأحزاب في الانتخابات التشريعية، فيما يتعلق بنظام الترشح؛ هل سيكون وفق القوائم المفتوحة أم المغلقة، وحصة القوائم من الترشح. 

ويتطرق القانوني محمد عمر إلى قضية الديمقراطية والحياة الحزبية في الصومال، ويرى أنّ احدى أهم المشاكل هي إيجاد طريقة للتوفيق بين ضمان التمثيل القبلي ومراعاة متطلبات الديمقراطية. ويعزو تلك الأهمية إلى أنّه "لا يوجد فرق بين الأحزاب؛ فهي لا تمثل رؤى واتجاهات فكرية ونحو ذلك، ولهذا رئيس الحزب والمؤسس هو المهم وليس فكر الحزب وتوجهه".

وفي معرض تحليله لذلك، يقول عمر إنّ "هذا طبيعي في مجتمع لم يتأسس على الطبقات الاجتماعية ولا يعتبر المسائل الاقتصادية من محددات الاختيار والأفضلية بين الأحزاب. وأظن أن هذا طبيعة الديمقراطية المستوردة في بيئات عشائرية".

 

على خطى هرجيسا

تقدم تجربة صوماليلاند في تحديد عدد الأحزاب السياسية بثلاثة مدخلًا لفهم ما سيكون عليه الحال في الدستور الصومالي الجديد، الذي سيُعرض للاستفتاء العام بعد إتمام عملية المراجعة الشاملة للفصول.

لم تكن صوماليلاند سباقة في ابتكار هذا النمط من الحياة الحزبية، ومع ذلك فهي الرائدة في تطبيقه. سبقت جيبوتي في ذلك، ففي العام 1992 أثناء أزمة الحرب الأهلية قدم الرئيس الراحل حسن جوليد إصلاحات كبيرة، تضمنت الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددية حزبية؛ تعترف بعدد أربعة أحزاب سياسية فقط. عقب ذلك بأشهر خضع دستور 1992 لتعديلات عديدة في وقت قصير، استبدلت التعددية المُقيدة بتعددية حزبية غير مقيدة.

وفي حالة صوماليلاند، نصّت المادة رقم (9) في نسخة العام 2000 من الدستور وفق الترجمة الإنجليزية، في الفقرة (2) على "لا يزيد عدد الأحزاب السياسية عن ثلاثة". وفي قانون رقم (14) لعام 2000 بعنوان "قانون تنظيم الجمعيات والأحزاب السياسية" فُصلّت عملية تشكيل تلك الأحزاب.

وبحسب القانون تم إنشاء لجنة تسجيل الجمعيات السياسية والموافقة على الأحزاب لتطبيق القانون وتسجيل الأحزاب. وتبدأ عملية الاعتراف بالأحزاب الثلاثة من خلال تسجيل الراغبين في الحصول على اعتراف حزبي في جمعيات سياسية لديها برامج انتخابية، وينظم القانون ذلك.

وتتنافس تلك الجمعيات في الانتخابات المحلية، ويتم الاعتراف بالجمعية التي تحصل على 20% من الأصوات في كل منطقة انتخابية كحزب سياسي، وحال لم تحصل ثلاث جمعيات على تلك النسبة يتم اختيار الثلاث التي تتصدر الانتخابات. وتُجرى تلك العملية وفق القانون كل عشرة أعوام، أي بعد كل مرتين من عقد الانتخابات المحلية.

تستحق تجربة صوماليلاند في تحديد التعددية الحزبية دراسة معمقة يمكن البناء عليها لاستشراف مستقبل نفس النمط الحزبي في الصومال

ووفق القانون لا يحق لغير تلك الأحزاب المُعترف بها التنافس على انتخابات مجلس النواب وانتخابات الرئاسة. وتُطبق صوماليلاند ذلك القانون، ومع ذلك شهدت خلافات سياسية ومحاولة توظيف سياسي من خلال تلويح الرئيس موسى بيحي عبدي بتغيير ذلك النظام، والانتقال إلى التعددية السياسية الكاملة، وهو ما رفضته المعارضة واضطر بيحي عبدي للتراجع.

والنموذج الثالث في إقرار التعددية الحزبية المحددة هي ولاية بونتلاند. جاء في النسخة الإنجليزية من دستور الولاية لعام 2009 في المادة (46) في الفقرة (3) أنّ عدد الأحزاب السياسية التي يُعترف بها هي ثلاثة أحزاب، تتشكل من الجمعيات السياسية التي تتصدر الانتخابات المحلية. وفي يوليو/تموز 2023 أقرّ برلمان الولاية تعديلات دستورية رفعت عدد الأحزاب المسموح بها إلى تسعة أحزاب. 

وبخلاف صوماليلاند، لم يصدر قانون بعد لتنظيم شؤون الأحزاب السياسية في بونتلاند، ولهذا تُجرى الانتخابات التشريعية والرئاسية وفق النظام العشائري في الولاية، بينما أُجريت الانتخابات المحلية للمرة الأولى وفق نظام الاقتراع المباشر في مايو/أيار 2023، ودون مشاركة حزبية.

استرشادًا بما سبق، يمكن وضع عدة سيناريوهات حول نمط التعددية الحزبية الثلاثية التي تضمنتها التعديلات الدستورية الجديدة في مقديشو. وهي:

الأول: اتباع تجربة صوماليلاند في تحديد منح الاعتراف للأحزاب الثلاثة من خلال نتائج الانتخابات المحلية.

الثاني: منح الشرعية للأحزاب الثلاثة وفق نتائج الانتخابات التشريعية على المستوى الفيدرالي.

وتبعًا لأي من الخيارين ستحدد طبيعة المشاركة السياسية لهذه الأحزاب الثلاثة. وفق السيناريو الأول ستحظى الأحزاب المُعترف بها بالحقّ في التنافس على انتخابات مجلس الشعب والحق الحصري في انتخابات رئاسة الجمهورية على الأرجح. وفي الثاني سيكون للأحزاب الحق الحصري في الترشح والتنافس على انتخابات رئاسة الجمهورية فقط.

ويبقى إلى جانب ذلك، مسألة هامة وهي مشاركة تلك الأحزاب الثلاثة في الانتخابات التشريعية والرئاسية على المستوى الولائي الإقليمي، ويمكن هنا تصور سيناريوهين. 

الأول في حالة اتخاذ نتائج الانتخابات المحلية كمعيار للاعتراف بالأحزاب الثلاثة الرسمية فمن الممكن منح تلك الأحزاب حقوق كبيرة في الترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية على المستوى الولائي.

والثاني في حالة تحديد نتائج الانتخابات التشريعية على المستوى الفيدرالي كمعيار لاختيار الأحزاب، ففي تلك الحالة لن يكون لها دور كبير في الترشح على المستوى الإقليمي.

وبشكل عام تستحق تجربة صوماليلاند في تحديد التعددية الحزبية دراسة معمقة يمكن البناء عليها لاستشراف مستقبل نفس النمط الحزبي في الصومال، علمًا أنّ تجربة الأولى بُنيت على اتفاق سياسي-قبلي عام، بينما الثانية جاءت في ظل انقسامات وخلافات كبيرة.

والأمر الثاني أنّ هناك خصوصية جغرافية وقبلية وتاريخية في حالة صوماليلاند، تجعل الاجتماع والافتراق في القضايا السياسية أيسر في التعاطي معه بخلاف جنوب الصومال، وفي هذا السياق للعامل القبلي دور هام في فهم تجربة صوماليلاند.

أما الأمر الثالث فيتعلق بالقدرات اللوجستية والفنية والإدارية والخبرة في تنظيم الانتخابات وفق نظام الاقتراع العام المباشر، وفي هذه الحالة نجحت صوماليلاند رغم الخلافات السياسية والتأخير المتكرر في عقد الانتخابات في موعدها، في الحفاظ على استمرارية نظامها السياسي. 

مقابل ذلك تواجه مقديشو تحديات كبرى في الانتقال من النظام العشائري إلى نظام الاقتراع العام المباشر في الانتخابات، ومنها؛ التحديات اللوجستية والفنية، غياب الإحصاء العام لتوفير بيانات قواعد الناخبين، التحديات الأمنية ووجود مساحات جغرافية خارجة عن سلطة الحكومات الفيدرالية والإقليمية.

إلى جانب ضعف الحياة الحزبية فضلًا عن سيادة القبلية وشبه انعدام وجود جمعيات سياسية عابرة للحدود القبلية المتعددة، والنقص الحاد في التمويل اللازم لتطبيق النظام السياسي الجديد، فضلًا عن قصر مدة العامين (الفترة المتبقية من ولاية حسن شيخ والبرلمان الفيدرالي) عن تحقيق متطلبات الانتقال السياسي.

ختامًا كان على الرئيس حسن شيخ التريث في الانتقال من نظام (4.5) إلى النظام السياسي الجديد بما يتضمنه من نظام انتخابات يقوم على الاقتراع العام المباشر، وكان الأفضل والأكثر وقعًا أنّ يحدث ذلك من خلال توافق واسع مع الولايات والقوى السياسية وأنّ يكون متدرجًا يراعي التحديات السابق ذكرها.

وفي ظل ما تشهده الساحة السياسية من إصرار من حسن شيخ على المضي قدمًا في مشروعه السياسي دون اعتبار لموقف المعارضة السياسية ومعارضة الولايات فإن احتمال إخفاق تلك التعديلات والتراجع عنها أو إرجاء تطبيقها هو الأكثر رجحانًا، أو ستنجر البلاد إلى فوضى غير معلومة ومحمودة العواقب، ولنا في تجربة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو خير مثال.