تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 19 سبتمبر 2024

رأي

كونفدرالية دول الساحل: الدوافع والتداعيات

22 يوليو, 2024
الصورة
رؤساء مالي والنيجر وبوركينافاسو (الصورة: وكالة الأنباء الفرنسية)
رؤساء مالي والنيجر وبوركينافاسو (الصورة: وكالة الأنباء الفرنسية)
Share

تأسست كونفدرالية دول الساحل من مالي والنيجر وبوركينافاسو في العاصمة النيجرية نيامي، بتاريخ 6 يوليوز/تموز 2024، وذلك من أجل تكتل إقليمي بديل، يدافع عن مصالح هذه الدول الثلاث المنتمية لمنطقة غرب إفريقيا، وقد عين الرئيس المالي، عاصمي غويتا، رئيسا لهذه الكونفدرالية، لولاية مدتها لا تتجاوز السنة.

قرر رؤساء هذه الدول العبور نحو مرحلة أكثر عمقا واندماجا، لذلك اعتمدوا فكرة الاتحاد، وبخاصة وأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" لم تحرك جيوشها للدفاع عن تلك الدول، في مواجهتها للتنظيمات الإرهابية. علاوة على أنها فرضت عقوبات صارمة على دول الكونفدرالية، ما دفعها إلى اعتبار قرارات هذا التكتل الاقتصادي عقوبات غير إنسانية وغير قانونية، الأمر الذي لم تتقبله الدول الثلاث المنسحبة من المجموعة الاقتصادية، بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 2024.

 تتولى ثلاثة أنظمة عسكرية الحكم في هذه البلدان، التي تجمع على رفض حضور النفوذ الغربي الفرنسي في المنطقة -بعد توقف دعم باريس لها عقب الانقلابات العسكرية-، مقابل مساعي الانفتاح على روسيا والصين وتركيا والهند وإيران. الخلفية العسكرية وتغيير محاور الاصطفاف تدفع نحو طرح بعض الأسئلة بشأن الهدف من وراء الاتحاد ومستقبله، ومدى قدرته في سد الفراغ الأمني للقوات الفرنسية؟ وكيفية تعويض ما هو اقتصادي بعد الانسحاب من مجموعة "إيكواس"؟

الظرفية الراهنة وأهمية التكتلات الإقليمية 

إن الأزمات الواقعة في منطقة الساحل والصحراء سواء تعلق الأمر بالعمليات الإرهابية المتزايدة أو ضعف العلاقات الاقتصادية، تؤكد أن العصر عصر التكتلات والمقاربات الجماعية المبنية على التنسيق والتعاون، لمجابهة مختلف المشاكل التي تعرقل مسار التنمية بالمنطقة. فالتعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، ارتكز على الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من أجل إقرار سيادتها الاقتصادية، والتحكم في مواردها والعمل على إحداث بنيات تحتية جديدة، تسهل مرور السلع والأشخاص فيما بينها، وتطوير تجارتها الخارجية دون إملاءات خارجية أو استغلال لثرواتها.

تنامي العمليات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء من قبل ما يسمى "بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، ووجود حركة أزواد ومختلف التنظيمات الإرهابية الأخرى، يفرض إحداث تكتلات لمواجهة كل ما من شأنه أن يمس أو يهدد استقرار وأمن المنطقة.

أضحت التجمعات الإقليمية والجهوية حقيقة ثابتة، والسمة التي تميز القرن 21، وباتت تشكل إحدى المظاهر الرئيسية في العلاقات الدولية؛ نظرا لوجود مصالح مشتركة، وازدياد تداخل وترابط اقتصاديات دول العالم مع بعضها البعض، الأمر الذي صعّب على أي دولة، مهما كانت مواردها الطبيعية والبشرية، أن تدير سياستها الاقتصادية والأمنية، بمعزل عن سياسات الدول الأخرى، وبخاصة الدول المجاورة والمتقاربة جغرافيا؛ لذلك فتأمين تسويق منتجاتها ومبادلاتها التجارية، يُحتّم عليها الانضمام إلى تكتلات اقتصادية وسياسية وأمنية إقليمية لتحقيق مصالحها.

سياق ودوافع إحداث الكونفدرالية وتحدياتها

تتداخل في سياق إحداث الكونفدرالية العديد من الأسباب، منها ما يرتبط بالتاريخ المشترك بين هذه الدول جغرافيا ولغويا ودينيا وثقافيا ومواجهة قرارات الإكواس، علاوة على التحديات الأمنية المتزايدة ثم النفوذ الغربي، عكس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي وجدت صعوبات جمة، بشأن توحيد مواقف الدول الأعضاء، فتمت دول ذات خلفية فرنكوفونية وأخرى أنگلوفونية، ما تسبب في إخفاق إطلاق عملة إيكو، في العديد من المرات، لتحقيق التكامل النقدي لدول المنطقة. غير أن دول الساحل الثلاث، كانت لها رؤية أخرى إلى جانب كل من جمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا التي تتوفر على عملة خاصة بها. وهكذا طالبت بمراجعة المشروع لتكون عملة المجموعة مستقلة عن فرنسا وعن اليورو، وتكون متصلة بالعملات الدولية القوية.

تواجه الكونفدرالية تحديات مشتركة مرتبطة بما هو أمني واقتصادي، خصوصا وأن وزراء خارجية هذه الدول كانت لهم اجتماعات سابقة لتأسيس الكونفدرالية، تم فيها التأكيد بأن التعدي على سيادة أو سلامة أراضي دولة من الدول الأعضاء، سيعتبر بمثابة عدوان على التحالف بأكمله، ما سيواجه بتدخل عسكري جماعي. ما من شك أن التكتل الجديد سيشكل شرخا في منظمة "الإكواس"، خصوصا وأن هذه الأخيرة كانت لها مواقف متباينة من الانقلابات العسكرية.

ارتبط إحداث كونفدرالية دول الساحل بمجموعة من الأمور، تتصل بتصاعد مختلف الجرائم المنظمة العابرة للحدود، ومحاولة تدخل الإكواس في الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه الدول الثلاث، منذ عام 2020 إلى غاية 2023. فقد حاولت إعادة الرئيس السابق "محمد بازوم" إلى السلطة، لتعلن بذلك مالي وبوركينافسو أنهما على استعداد للتدخل عسكريا لحماية النيجر من أي اعتداء قد يقع عليها، لأن المنظمة أضحت تهدد الأمن القومي للدول الأعضاء المنسحبة.

تداعيات إحداث التكتل الجديد  

تعد العوامل الجغرافية مشتركا مهما بين الدول الثلاث، فهي دول حبيسة لا تتوفر على أي منفذ بحري، مما سيؤثر على تسويق وتصدير منتجاتها للخارج، ويجعلها أكثر عزلة، علما أن الإكواس من كانت تسهل حركة التجارة بين دول المنطقة.

أكدت مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2020 أن 40٪ من سكان مالي يعيشون تحت عتبة الفقر، كما تم تخفيض الميزانية الوطنية المخصصة للخدمات الاجتماعية الأساسية كل عام. أكثر من ذلك تعاني المنطقة الحدودية ليبتاكو غورما مع بوركينافاسو ومالي والنيجر من غياب مؤسسات الدولة، والتنافس على الموارد الطبيعية، وضعف فرص العمل. فضلا عن أعمال العنف التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وامتدادها على مساحات شاسعة.

قد تكون لإحداث كونفدرالية دول الساحل انعكاسات على منظمة "إكواس"، لا سميا ما يتصل بتفكك هذه المجموعة الاقتصادية، فصراع الحرب الباردة لا زال يتكرر في كل مناسبة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وحلفائهما. بمعنى آخر، تمت احتمال أن تنتقل الدول المنتمية لحلف روسيا والصين إلى الكونفدرالية، بخلاف الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية التي لن تنسحب من مجموعة الإكواس.

بذلك تتنافس القوى الدولية الكبرى في منطقة غرب إفريقيا من أجل تعزيز نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي، خصوصا وأن المنطقة غنية ببعض المعادن النادرة المهمة في الصناعة المستقبلية، مثل: الهواتف النقالة والسيارات الكهربائية...

تسعى خطة هذا الاتحاد الكونفدرالي إلى إنشاء بنك تنمية مشترك واتحاد نقدي، إلى جانب التحالف العسكري القائم، وإخراج القوات الفرنسية من أراضي الدول الثلاث. مقابل ذلك، ستواجه كونفدرالية الساحل عقبات كبيرة، لا سميا وأن دول مالي وبوركينا فاسو والنيجر يعتبرون أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، فعضويتهم لا زالت معلقة بسبب الانقلابات الأخيرة، وأن الانسحاب من الإكواس لا يمكنه أن يتم إلا بعد عام من إعلام المجموعة الاقتصادية حسب تعبير هذه الأخيرة.

مستقبل كونفدرالية دول الساحل

وفق تقرير برنامج مؤشر البنية التحتية الصادر عام 2023، والذي شمل 185 دولة في العالم، احتلت كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر المراتب التالية تباعا: 126 و131 و142. وفي تقرير لأوكسفام حول الساحل، خلال الفترة الممتدة ما بين 2018-2040 أكد أن متوسط نصيب الفرد من الدخل في الدول الأفريقية حوالي 5.5 ألف يورو عام 2018، ففي النيجر بلغ المتوسط ألف يورو، وفي بوركينافاسو 1.5 ألف يورو، بينما وصل في مالي 2.5 ألف يورو عام 2018، ومن المتوقع أن يصل متوسط نصيب الفرد من الدخل في الدول الأفريقية إلى 7.5 ألف يورو بحلول عام 2040. لكن في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها الدول الثلاث، وباستحضار هذه المعطيات هل ستنجح هذه البلدان المنسحبة في الرفع من نصيب الفرد من الدخل؟

يرتبط الجواب على هذا السؤال بطبيعة تكتل كونفدرالية دول الساحل، ومدى نجاحه في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين دوله. وفي هذا السياق يرتبط مستقبل التكتل ببعض السيناريوهات، فالسناريو الأول يمكن للتحالف أن ينجح من خلال التحاق دول أخرى في منظمة الإكواس إليه لتقويته وتعزيز التعاون، لمواجهة مختلف التحديات سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو تنموية.

فيما يشير السيناريو الثاني إلى أنه يمكن الانحصار في الدول الثلاث الحبيسة التي لا تطل على منافذ بحرية، لكن مع التقارب الذي يمكن أن يحصل مع المغرب في ضوء مبادرته الأطلسية الأخيرة، إذ ستستفيد الدول الثلاث من هذا المشروع لأن الواجهة الأطلسية هي بوابة المغرب نحو افريقيا، والتي تسعى من خلالها الرباط إلى تسهيل الربط بين مختلف مكونات الساحل الأطلسي، وتوفير وسائل النقل ومحطات اللوجستيك، رغم ما ستلاقيه من مشاكل كبيرة على مستوى التنزيل لتحقيق الأهداف المتوخاة في إطار رابح-رابح.