الجمعة 22 نوفمبر 2024
مقابلة مع عضو مخضرم سابق في المؤتمر الوطني الأفريقي
يقول سفير جنوب أفريقيا السابق، والناشط في مناهضة الفصل العنصري، أن جنوب أفريقيا ستدفع ثمن قرارها بطلب التحقيق مع اسرائيل، في محكمة العدل الدولية، بتهمة الإبادة الجماعية. ويضيف بأنها "خطوة ذات نزاهة كبيرة" مع ذلك.
خلال نشأة إبراهيم رسول، طبّق نظام الأقلية البيض في موطنه جنوب أفريقيا نظام فصل عنصري صارم وغاشم. وكانت إحدى ذكرياته الأولي عن العنف البنيوي الذي اتّسمت به الحياة اليومية لأصحاب البشرة الملوّنة في البلاد عندما أُعلِنت المنطقة التي كانت عائلته تسكن فيها "للبيض" في 1972. سُمّيت هذه السياسة ب"الإزالة القسرية"، حيث أُخلِيَ السكان من المناطق لأجل البيض.
يقول رسول أنه كان عائدًا من المدرسة عندما اكتشف أن والده تسلّم إخطارًا بإخلاء المنزل. أخبرني رسول، في مقابلة مصوّرة في منزله في كيب تاون، "كان لا يزال بالموقد حرارة، فقد كانت أمي تطبخ." كان في العاشرة فحسب من عمره حين فرّق القرار بينه وجدّته التي كانت تعيش بالقرب منهم، فلم يكن بوسعه بعد ذلك "الوصول" إلى عماته وأعمامه وأبناءهم، وتفرّق أصدقاءه في مناطق مختلفة. يقول رسول، "تذوقت حينها طعم الظلم الحقيقي لأول مرة في حياتي."
كانت هذه التجربة تكوينيّةً بالنسبة لرسول، ودفعته إلى معركة استمرت عقودًا مع حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. علّل رسول أنه في لحظات القمع الشديد لا تكون السياسة "خيارًا مهنيًّا، بل نُدفَع إليها دفعًا، وللأمر زخمه الخاص." أجّجت هذه التجربة الباكرة انخراطه في مظاهرات الطلبة، ولاحقًا في مناهضة الفصل العنصري بوصفه عضوًا بارزًا في الحزب الوطني الأفريقي.
ظل رسول مخلصًا خلال رحلته لتصور مانديلا عن الحرية الشاملة، ومناصرًا لقضايا المجتمعات المهمشة في بلاده وخارجها. استدعي رسول اليوم، أثناء العدوان الاسرائيلي المستمر على غزة، كلمات مانديلا، "لن تكتمل حريتنا إلا باكتمال حرية الفلسطينيين." اتخذت جنوب أفريقيا موقفًا وقدمت عريضة لمحكمة العدل الدولية للتحقيق مع اسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية. أقرّت المحكمة في حكمها الأخير بوجود خطر حقيقي بوقوع إبادة جماعية، ورفضت محاولات اسرائيل رفض القضية.
تحدث رسول إلى جيسكا في مقابلة حصرية عن قضية محكمة العدل الجنائية وأسباب عدم كبح حلفاء اسرائيل جماحها، رغم العدد الهائل من الضحايا المدنيين.
فيصل علي: ما هو رأيك في حجم المأساة التي تتجلي لنا في غزة؟
إبراهيم رسول: من الواضح أننا نشهد الآن إبادة جماعية تتكشّف ببطء منذ السابع من أكتوبر. وقد تورط الاسرائيليون أيضًا في هدمِ وطنٍ[1]، واعترف نتنياهو بذلك، ما أزعج وأحرج بعضًا من داعميه من الغرب. إنه قتل للدولة، وثمة تواطؤ أكثر من قبل حلفاء اسرائيل في ذلك.
إن نقل السفارة، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مثالٌ على ذلك، بجانب توسُّع المستوطنات والاحتلال وحصار غزة. هم ليسوا ساخطين على نتنياهو لتصريحه بعدم قبوله بمقترح الدولتين، بل لتصريحه بذلك وكشف الستار عنهم.
فيصل علي: قالت العديد من االشخصيات البارزة في جنوب أفريقيا أن ما يعيشه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة أكبر بكثير من الفصل العنصري، إذ من السهل ملاحظة ذلك في غزة اليوم. لكن ما هو رأيك في الوضع في الضفة الغربية بالمقارنة مع ما شهدتموه في جنوب أفريقيا؟
إبراهيم رسول: إن أمكن لرئيس الأساقفة، ديسموند توتو، قول ذلك، فلا بد لنا أن نلتزم بكلمته. يقول لي ما شهدته عيناي، حينما أُخلِينا، أنه لم تكن هنالك جُدُرٌ بيننا والبيض، على عكس الوضع في غزة، ولم يكن هنالك قصف مُكثّفٌ علينا. كانت ثمة اعتقالات واحتجازات جماعية بدون محاكمات، لكن احتفظ جهاز الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بواجهة الدولة الجادة. ما أود قوله أن الوضع في غزة أسوأ بكثير.
فيصل علي: قد تكون القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد اسرائيل لدي محكمة العدل الدولية هي الأهم سياسيًّا والأكثر تأثيرًا، التي تعيّن علي المحكمة التعامل معها. لمَ في رأيك تجرأت جنوب أفريقيا وقررت ذلك؟
إبراهيم رسول: لدينا علاقة طويلة الأمد مع المقاومة الفلسطينية. فعندما كنا منبوذين في الغرب، كانت المقاومة تأوينا في معسرات التدريب الخاصة بهم. ولدينا قادة مثل مانديلا القائل بأن حريتنا لن تكتمل إلا باكتمال حرية فلسطين. ثمة رابط سري بين جنوب أفريقيا وفلسطين.
لكن ليست ثمة مزحة، فقد تدفع جنوب أفريقيا الثمن باهظًا. إن الولايات المتحدة الأمريكة دولة جبارة وذات نفوذ عالي، في قانون النمو والفرص في أفريقيا على سبيل المثال (تعامل تفضيلي للدول الأفريقية في السوق الأمريكية). عُقد القانون بوعي عالٍ ونزاهة كبيرة. يمكننا الفخر أننا استجبنا للنداء.
فيصل علي: ما الذي تقولة مبادرة جنوب أفريقيا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الدول الأفريقية في حل الأزمات العالمية، لا سيما بالأخذ في الاعتبار المدى الذي خيبت به أوروبا، مع استثناءات ملحوظة، والولايات المتحدة الأمريكية ظنون الفلسطينيين؟
إبراهيم رسول: هناك مجموعة من الاستعماريين، لذلك لا يودون فتح باب الإبادات الجماعية ضد نظام استعماري آخر. لا يمكننا توقع محاسبة أنفسهم بشأن هذه القضية، لأنها تفتح علبة الديدان. إنهم يدافعون عن المشروع الاستعماري، وأصبحت اسرائيل حالة الإختبار الحديثة. باعتبارنا بلدانًا اضطرت لمجابهة الاستعمار أنفسنا، من المهم أن نناصر مثل هذه القضايا لتمكين أنفسنا وإعادة تشكيل العالم.
فيصل علي: قال جون كيربي بقسوة، في بداية هذا النزاع، أن الأبرياء يموتون في الحرب، مشيرًا إلى غزة. كرّر بايدن هذه الكلمات وشكّك لاحقًا في أرقام الضحايا التي كشفتها وزارة الصحة في غزة. هذه بعض النماذج للكيفية التي يُجرِّد بها المسؤولون الأمريكيون الفلسطينيين من إنسانيتهم. لكن لمَ في رأيك ثمة حصانة لمثل هذه الأنواع من الخطابات؟
إبراهيم رسول: الأمر مبني على العنصرية والإسلاموفوبيا ببساطة. لا تُطلق مثل هذه الشكوك والتصريحات، عن الضحايا المدنيين، حين التحدث عن المدنيين البيض الذين قُتلوا في السابع من أكتوبر، لكنها أُطلقت في الثامن من أكتوبر. فهم يعتبرون أن حياة أبيض واحد تساوي ألفًا من الفلسطينيين.
فيصل علي: استنادًا على تاريخ جنوب أفريقيا الخاص، ما الدروس التي يمكن الاستفادة منها وتطبيقها لتعزيز المصالحة والعدالة والمساواة في السياق الفلسطيني-الاسرائيلي، إن أمكن على الإطلاق التوصل إلى تسوية في هذا الصدد؟
إبراهيم رسول: لا أزال متشائمًا في الأساس بشأن مستقبل الدولة الفلسطينية، لأنها انتهت في رأي. فرغم خطابات واشنطون، إلا أنه ليست ثمة إجراءات مُتخذة لضمان إمكانية نجاح الأمر. إن أمكن قيام دولة واحدة، فلا بد أن تكون ديمقراطية تضمن مساواة كافة المواطنيين، بجميع الإثنيّات والخلفيات الدينية. هذه هي المهمة العاجلة.
[1] Patricide
ترجمة: عبدالحفيظ محمد